الخطبة الأولى
  وأنت يا بنَ آدمَ ما الذي شملَهُ الإحسان من أفعالِك، ما الذي أحسنت فيه من أعمالِك، ما الذي عملتَه في أمرِ اللهِ القائل: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. فأيُّ عملٍ قد أحسنته لله وأيُّ عملٍ أحسنته لأهلِك ومجتمعِك؟
  عبادَ الله: إن الله قد كتب الإحسانَ في كل شيءٍ، لا مكانَ للعبثِ ولا موضوعَ للفوضى ولا للعشوائيةِ. لا في القولِ ولا في العملِ ولا حتى في العذاب.
  تأمل معي قولَ رسولِ الله ÷: «إن الله كتب الإحسان على كلِّ شيءٍ» أي أن الله أمر بالإحسان في كل شيء.
  إن هذه العبارة لهي والله من جوامع الكَلِمِ. لها أبعادها التي تدعوا للنظر والتأمل في معناها، تابع معي بقية الحديث وما حمل في مضامينه من مفاهيم سامية ومعاني قيمة. يقول المصطفى ÷: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِبْحَةَ».
  سبحان الله حتى في القتلِ والذبحِ إحسانٌ! وأي إحسانٍ في إزهاقِ الروح يا تُرى؟! هل بقي إحسانٌ في إزهاق الأنفس؟
  إنه كلامُ مَن لا ينطق عن الهوى إنه كلامُ الصادقِ الأمينِ فيه من البلاغة والبيان ما يعزبُ عن إدراكِه أولو الأحلامِ والنهى. إنه مَثَلٌ عظيمٌ ضَرَبه الله لأولى الألباب. له منطوقٌ منظومٌ ومفهومٌ معلوم.
  فإن المتأملَ في مدلولِ الحديثِ يدرك أبعادَه العظيمةَ التي يرمي إليها، فهل من المعقول لمن يحسن في الذبح والقتل ألا يحسن في الحياة. حقا إنه مثال لا يخطر على البال.
  أي أن الله إذا أمر بالإحسانِ في الذبحِ والقتل فمن باب أولى وجوب الإحسان في حق الأحياء، ولنستكمل سويا بقية الحديث: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته».