الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ الذي جعلَ الليلَ والنهارَ خِلْفَةً لمن أرادَ أن يذكَّرَ أو أرادَ شكورا، نحمدُه على نعمةِ الإسلامِ، ونشكرُه على الصحةِ والأمانِ.
  ونشهدُ ألّا إله إلا الله وليُّ الصالحين وغايةُ آمالِ العارفين.
  ونشهدُ أن سيدَنا ورسولَنا محمدُ بنُ عبدِ الله الطاهرُ الأواه صلى الله عليه وعلى آلهِ الولاةِ سفنِ النجاةِ، وسلمَ تسليماً كثيراً.
  وبعد:
  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}.
  واعلموا عبادَ الله: بأنَّ اللهَ خلقَنا وربّانا ورعانا، ورزقَنا العقولَ، ومنحَنا القوةَ، ووهبَنا العافيةَ، ومَنَّ علينا بالأمنِ والأمانِ والسلامةِ في دينِنا ودنيانا، وتفضلَ علينا بنعمٍ سابغةٍ وفضائِلَ متواليةٍ، {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} إن هذا الجسدُ الذي وهبَه اللهُ لَك يحوي من الكنوزِ ما لا حصرَ له، فلا الذهبُ يوازيهِ ولا الفضةُ والجواهرُ تساويهِ.
  فكم تساوي نعمةُ البصرِ، وكم تساوي نعمةُ السمعِ؟ كم تساوي نعمةُ الكلامِ؟ بل كم تساوي نعمةُ العقل والشمِّ والذوقِ والصحةِ؟ كم وكم من النعمِ الظاهرةِ والخفيةِ التي منَّ اللهُ بها علينا، لو أَعطوا أحدَنا نصفَ الدنيا مقابلَ نعمةِ النظرِ لرَفَضَها. لو أعطوه الملايين مقابلَ نعمةِ السمعِ لرفَضَها، لو عَرَضُوا عليهِ أحمالَ الذهبِ والفضةِ مقابلَ نعمةِ اللسانِ ما قبلها. لو مَلَّكوه ما على وجهِ الأرضِ مقابلَ عقلهِ لَسَخِرَ منهم ولردَّهم خاسئين.