سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 21 - الجزء 1

  عبادَ الله: كلُّ واحدٍ مِنَّا يحوي كنزاً، ويملِكُ ثروةً كبيرةً من النعمِ والمواهبِ، فما هناك من شيءٍ في ابنِ آدم إلا وله ثمنٌ وللهِ علينا فيه مِنّة، من الشعرةِ الصغيرةِ إلى الروحِ التي تنبضُ بالحياةِ. هذا كلُّه مِن مواهبِ اللهِ ومنحِه وعطاياه، مَنَّ بها علينا لنستعينَ بها على طاعتِه، ونتقوّى بها على مرضاتِه، فكفرْنا بنعمةِ اللهِ وجحدْنا فضلَه، وأنكرنا جودَه ونسينا شكرَه. إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كفَّار، منحَنا اللهُ النعمَ في أجسادِنا والعافيةَ في أبدانِنا، لننهضَ لعبادتهِ وشكرِه على ما أَوْلانا وما أسداهُ إلينا ولكنَّنا كما قال تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً}.

  تجاهلنا أوامرَ اللهِ، وتهاونَّا وتساهلْنا بحقِّه، تباعدْنا عن الربِّ القويِّ الذي له علينا كلُّ فضلٍ ومنَّة، واتجهنا نحوَ المخلوقِ الضعيفِ لنعملَ معه ونطيعَ أمرَه، ونفني أعمارَنا في خدمتهِ، كأنّه المنعمُ علينا والمتفضلُ بالإحسانِ إلينا.

  {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} لُعِنَ ابنُ آدامَ ما أجحدَه لنعمةِ اللهِ وما أنكرَه لفضلِه، ما إنْ يشبُّ ويستوي ويقوى ساعِدُهُ حتى يصعِّرَ خَدَّهُ نحوَ مولاهُ وخالِقِه ويتوجَّهُ صوبَ المخلوقين يُذلُّ نفسَه ويهينُ كرامتَه يعملُ بجهدٍ وغيرِ جهدٍ لخدمتِهم وطلبِ رضاهم ولو على حسابِ رضى الله.

  يفعلُ كلَّ ذلك مقابلَ أُجْرَةٍ زهيدةٍ وثمنٍ بخسٍ دراهمَ معدودةٍ، باع بها دينَه بدنيا غيرِه وخسرَ البيعَ.

  واللهُ يناديه بقوله: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} ما الذي أغرَّاكَ، مَنْ الذي ألهاكَ؟ مَنْ الذي خدعَك وأغواك؟ ما الذي أبعدكَ عن ربِّك الكريمِ الوهابِ؟ الذي خَلَقَكَ فسوَّاكَ وبنعمتِه غذَّاك وربَّاك؟

  ماذا عَمِلوا لك؟ وما الذي أعطوك؟ وبأيِّ شيءٍ أغروكَ؟ وبأيِّ ثمنٍ شَرَوْكَ؟ مَن الذي خلقك فسواك؟ هل هُمْ أمِ اللهُ؟ مَنْ جعلَ لك السمعَ والبصرَ والفؤادَ، هل هم أم الله؟ مَن الذي عافاكَ ورعاكَ وفي ظلماتِ الأرحامِ غذَّاكَ وحماكَ؟ عُدْ