سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 230 - الجزء 1

[٢٠] - الأمانة ومكانتها في الإسلام

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله الذي فرض على العبادِ أداءَ الأمانةِ، وحرم عليهم المكرَ والخيانةَ.

  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، شهادةَ مَن يرجو بها النجاةَ يومَ القيامة.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي ختمَ به الرسالةَ صلى الله عليه وعلى آله الموصوفين بالعدالة وسلم تسليماً كثيراً.

  وبعدُ:

  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ٧٠ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.

  عبادَ الله: لقد كلف اللهُ الإنسانَ وجعلَه محلَّ اختبارِه، وموضعَ تمحيصِه، كرمَه اللهُ وشرفَه على سائرِ الكائناتِ، واختارَه واصطفاه من بين المخلوقاتِ تكريماً لمقامه، وتعظيماً لحاله ليكون خليفته في أرضه، وكلفه بالأوامر والنواهي ليستقيمَ على هداه ويزرع في قلبه حب الخير والفضيلة وينزع عنه داعي الشرِّ والرذيلةِ، ويربيه ويؤدبُه لما فيه نفعَه ورفعتَه في الدنيا والآخرةِ، ومن أعظمِ التكاليفِ وأسناها التي قلد الله بها أعناقَنا (الأمانة).

  تلك الأمانة التي عُرِضَت على الجبالِ الشامخةِ، والسماءِ المرفوعةِ، والأرضِ المدْحُوَّةِ فأَبَيْنَ أن يحملْنَها وأشفقْنَ من ثقلِ حملِها، وحملَها الإنسانُ! نعم حملَها، فلا تشريف إلا مع تكليف، قال تعالى: {إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} حمّلَنا اللهُ الأمانةَ ليكلفَنا وطوّقَ بها أعناقَنا ليختبرَنا، فحملناها وكلفنا الله بأن نضعَها في مواضعِها، ونعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه منها.