سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 236 - الجزء 1

  {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.

  يقولُ الرسولُ ÷: «اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة» ستا فقط، يا عبادَ الله: ما أيسرَها وما أسهلَها! ترى ما هذه الست التي مفاتيحُ الجنةِ تحتَ حروفِها «اصدقوا إذا حدَّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم».

  إنها صفاتُ أهلِ التقوى، وأهلِ المغفرةِ أهل الأمانةِ والوفاءِ، أحفظوها وعاهدوا الله على الوفاء بها فإن ثمن الجنة بين سطورها وتحت ظلالها.

  عبادَ الله: إن الأمانةَ لها شأنٌ عظيمٌ وأمرُها بالغُ الأهميةِ، وأسعدُ السعداءِ من رُزِقَها، وأشقى الأشقياءِ من حُرِمَها وأيما مجتمع نُزِعَتْ عنه الأمانةُ فهو هالك متناحر لا خير فيه، فمع هجرانِ الناسِ للأمانةِ ابتلاهم اللهُ بالخوفِ والشكِّ في بعضِهم البعض فلا أحدٌ يأمنُ الآخرَ، ولا يركنُ إليه في أمرِ، ولا يأمنُه على مالٍ ولا سرٍ، حتى الأسرةُ الواحدةُ، أصبح كلُّ واحدٍ يخافُ الآخرَ، فالرجلُ يخافُ من زوجتِه، وأبنائِه، ويُخفي عنهم أسرارَه، ويغلقُ دونَهم بابَه، ويُخفِ عنهم أموالَه، فأصبحَ لكل فرد في الأسرة غرفةٌ خاصةٌ به وأدراجٌ وصناديقٌ يحفظُ فيها أغراضَه، فيحكم إغلاقها، ويقفل أبوابها خوفا من أهله وأقاربه، وكأنه بين قطاع طرق أو عصابة لصوص وليس بين أهله وإخوته في الله، فالله المستعان على هذه الحال التي وصلنا إليها والتي هي من أمارات قيام الساعة قال رسول الله ÷: «من علامات اقتراب الساعة: إذا رأيتم الناس أماتوا الصلاة، وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكبائر وأخذوا الرِّشا».

  عبادَ الله: إن الساعة لا يعلمها إلا اللهُ، ولكن عليك بأماراتٍ فارتقبها منها الأمانةُ، إذا ضُيعت واستُبدلت بالغدرِ والخيانةِ وخافَ الرجلُ على نفسِه من أخيه وغشَّ المرءُ من ائتمنَه وخانَ من استودعه فانتظر الساعةَ.