الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمد لله الذي جعل الأمانةَ في قلوبِ الرجالِ بعد أن أبَتْ عن حملِها السماواتُ والأرضُ والجبالُ، جعل الأمانةَ في قلوبِ بني آدمَ ذكوراً وإناثا لأنه ركبَ فيهم عقولاً بها يفقهون وبصائرَ بها يهتدون فتحملوا الأمانةَ مخاطرين ليعلوا بأدائها إلى درجةِ المؤمنين المتقين أو لينزلوا بإضاعتِها إلى أسفلِ السافلين.
  وأشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، إله الأولين والآخرين، خلقَ فأتقنَ وشرعَ فأحكمَ وهو أحكمُ الحاكمين.
  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه الذي بلَّغَ رسالةَ ربِّه وأدى أمانتَه على الوجهِ الأكملِ وعبدَ ربَّه حتى أتاه اليقينُ صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين من يومنا هذا إلى يومِ الدينِ وسلم تسليماً كثيراً.
  أما بعد:
  أيها الناسُ: اتقوا الله تعالى وأدّوا ما حُملتُم من الأمانة فلقد عرضَ اللهُ الأمانةَ على السماواتِ والأرضِ والجبالِ فأبينَ أن يحملْنَها وأشفقْنَ منها وحملَها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا، أدوا الأمانة بالقيام بما أوجب الله عليكم من عبادته وحقوق عباده، ولا تخونوا الله ورسوله وتخونوا أماناتِكم وأنتم تعلمون، لا تخونوا في ذلك بإفراطٍ أو تفريطٍ بزيادة أو نقصٍ فإن الخيانةَ نقصٌ في الإيمان وسببٌ للخسرانِ والحرمانِ. وفي الحديث عن النبي ÷ أنه قال: «لا إيمانَ لمن لا أمانةَ له». وقال: «آيةُ المنافقِ ثلاثٌ» - أي علامتهُ التي يتميزُ بها وخُلُقه الذي يتخلقُ به - «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم». وقال: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فيقال هذه غدرة فلان ابن فلان» يرفع له هذا اللواء فضيحةً له بين الخلائقِ وخزياً وعاراً.