الخطبة الثانية
  أيها المسلمون: إن الأمانةَ تكونُ في العبادةِ والمعاملةِ، فالأمانةُ في العبادةِ أن تقومَ بطاعةِ اللهِ تعالى مخلصا له متبعا لرسوله ÷ تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه تخشى الله في السر والعلانية، تخشاه حيث يراكَ الناسُ وحيث لا يرونك لا تكن ممن يخشى اللهَ في العلانيةِ ويعصيه في السرِّ، فإن هذا هو الرياءُ، ألم تعلمْ أن اللهُ يعلمُ خائنةَ الأعينِ وما تخفي الصدورُ. ألم تعلمْ أنَّ اللهَ أنكر على من هذه حاله بقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ}.
  {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}.
  وأما الأمانةُ في المعاملةِ فأن تعاملَ الناسَ بما تحبُ أن يعاملوك به في النصحِ والبيانِ، وأن تكونَ حافظا لحقوقِهم الماليةِ وغيرِ الماليةِ من كل ما استؤمنت عليه لفظا أو عرفا. فتكون الأمانة بين الرجل وزوجته، يجب على كل منهما أن يحفظ الآخر في ماله وسره، فلا يحدث أحدا بذلك.
  فقد صح عن رسول الله ÷ أنه قال: «إن من شرِّ الناسِ منزلةً عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأتِه وتفضي إليه ثم ينشرُ أحدهُما سرَّ صاحبِه».
  وتكون الأمانةُ بين الرجل وصاحبه، يحدثه بحديث سر يعلم أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد ثم يفشي سره ويحدث به الناس. وفي الحديث: «إذا حدث الرجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة» لأن التفاته دليل على أنه لا يحب أن يسمعه أحد.
  وتكون الأمانةُ في الاستشارةِ فمن استشارَك في شيءٍ فالواجبُ عليك أن تشيرَ عليه بما تراه الأفضلَ ولا تخنه ولو كان في ذلك نقصٌ عليك كأن يستشيرَك في سلعةٍ معك هل يشتريها أم لا، فعليكَ أن تبذلَ له النصحَ لأن ذلك من الأمانةِ لما روي أن (المستشار مؤتمن).