الخطبة الأولى
  لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.
  وهناك من رَزَقَه اللهُ العافيةَ التي لا تساويها كنوز الدنيا، وهناك من رُزِقَ الأمنَ، وهناك من رَزَقَه القوةَ والصحةَ في بدنِه، كما ورد عن النبي ÷ أنه قال: «من أصبحَ آمناً في سِرْبِه، مُعافىً في بدنِه، عنده قوتُ يومِه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها».
  وهناك من رَزَقَه اللهُ الجمالَ وطيبَ الخصالِ، وهناك من رزقه اللهُ رَجَاحةَ العقلِ والذكاءِ الذي لا توازيه نعمةٌ، وهناك من رزقه اللهُ وَالِدَيْنِ رحيمينِ كريمين صالحين، الجلسةُ بين أيديهما والسمرُ معهما يضاحكُهما ويضاحكانِه تساوي كنوزَ الدنيا، وهناك من وهبَه اللهُ الهدايةَ والتقوى التي لا تعدلها نعمةٌ ولا تقدر بثمن كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً}.
  عبادَ الله: لا بد أن يفهمَ المؤمنُ بأن كلَّ مخلوقٍ قد استوفى رزقَه المقسوم له على ما اختاره الله وارتضاه، فليس هناك أحدٌ مغبون، وليس هناك مخلوقٌ مهضوم، فالناس كلُّهم سواء، ونعم الله بينهم متوازنة، وإن اختلفت أشكالها، وتنوعت صفاتها.
  فلماذا التذمرُ من هذه الدنيا؟ لماذا الحسدُ وقد أُعطي كلُّ واحدٍ منا ما يكفيه؟
  بل إن الواجبَ علينا أن نحمدَ اللهَ على كلِّ حالٍ، وعلى ما اختار لنا، ولا نحزن على ما فاتنا، فربما كان الخير في عدمه كما قال تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.
  وقال تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ٢٣}.