سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 261 - الجزء 1

  هناك أغنياء، نعم، ولكن هل لهم من الصحة، والأمن، والذكاء، والأولاد مثل مالك، قد يكون المال والغنا أحياناً عذاب كما قال تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.

  يجبُ على الناسِ أن يفقهوا ذلك لكي يرتاحوا وتطمئنَّ قلوبُهم، ويرضوا بما قسمَه اللهُ لهم.

  فمن الأغنياءِ من لا يجدُ الولدَ، ويتمناه ولو بنصفِ ما يملك، وقد يموتُ بغير نسلٍ، وهناك الغنيُّ الذي لم يذق للعافيةِ طعماً، ولم يهنأ بمنامٍ، خائفاً على نفسِه وعلى ماله.

  عبادَ الله: من منا يرضى بالمالِ والغنى، ويُبتلى بالمرضِ في نفسِه أو أهلِه وأبنائِه، هذا في المستشفى، وذاك في المصحةِ، وذاك مُقعدٌ، وذاك عاثرٌ، وذاك مصابٌ بجلطةٍ في القلب، وآخرُ في الدماغِ، وذاك بفشلِ كلوي وآخر يتطلب نقله إلى الخارج، عافانا الله وإياكم من كل بلاء ونسأله العفو والعافية والسلامة من كل داء.

  من منا يرضى بالمالِ مع الخوفِ والقلقِ وتبلبلِ البال؟

  من منا يرضى بالغنى، ويبتلى بالولد العاق والذرية الفاسدة؟

  من الذي يرضى أن يُوهَبَ المالُ، ويَفقدَ تلك الزوجةَ الصالحةَ المطيعةَ، أو الأمَّ الرحيمة الحنون؟

  عبادَ الله: لا شماتَة، ولا حسدَ، ولا غبنَ، فكل واحد له من هذه الدنيا نصيبٌ، ولكلِّ واحدٍ منها قسمهُ الذي ارتضاه له ربُّه.

  ولنعلمَ بأن النعمَ والغنا اللذانِ نراهما ليسا في الحقيقةِ إلا مظاهر، ومناظر يتباهى بها أصحابها وهم في الواقع لا يشعرون معها بسعادة ولا راحة، ولا يجني من ورائِها أهلُها إلا التعبَ والشقاءَ، لأن السعادةَ والراحةَ الحقيقيةَ هي في