الخطبة الأولى
  الكفايةِ، والكفافِ وسترِ الحالِ، فإذا كان مدخول الفرد بقدر حاجته كان المال في خدمته، أما ما زاد عن الحاجة فإنه لا يخدم صاحبه، بل صاحبه هو الذي يخدمه ويسهر على حراستِه ويتعب في حفظه.
  ولك عبدَ الله أن تنظرَ فيمن يتمرغُ بين الملايين، وقد جمعَ ما يكفيه ويكفي ذريتَه من بعدِه بل ويزيدُ، وما زال يجمعُ ويطمعُ هل من مزيد.
  فماذا يريدُ ومعه ما يكفيه، ويزيد؟
  أليس هذا هو التعبُ والعذابُ، لماذا يشقى في جمعِ أموالٍ سيتركُها بعده لا محالة؟ كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} وتأمل فيمن رُزق الأموال الطائلة، وهو مبتلى بالسكر والضغط أو القلب والكبد وغيرها من الأمراض، وأمواله بين يديه لم تنفعه، وقد مُنِعَ من العسلِ والعنبِ والفواكِه ما لذَّ منها وطابَ، ومحرومٌ من الدهونِ واللحومِ وغيرِها من الملاذِ؟
  وقد اقتصرَ على اللبنِ الحامضِ وقرصِ الشعيرِ. فماذا أفادَه المالُ؟ وما الذي جنى من ورائِه؟ وحُقَّ له أن يموتَ كمداً وهو يرى كل شيء بين يديه ولا يستطيع أن يمد يده إليه.
  بل إن كثيراً من المترفين، والأغنياءِ قد ابتلوا بأمراضٍ منعتهم من الاستفادةِ من أموالِهم، وحرمتهم من التمتعِ بغناهم، فتراهم يأكلون كما يأكل الفقيرُ، ويشربون كما يشربُ، بل إن الفقيرَ قد يأكلُ أفضلَ منهم، وينام هادئ البال قرير العين، ليس ورائه ما يخاف عليه، ويطرد النوم من عينيه.
  فلنحمد الله على ما قسمه لنا، وعلى ما أولانا من الصحة والعافية.
  إنه وليُّ النعماءِ وكاشفُ الضرِّ والبلاءِ، فهو حسبُنا ونعمَ الوكيل.
  أقول قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.