الخطبة الأولى
[٣] - القرآن بين النظرية والتطبيق
الخطبة الأولى
  
  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً}.
  الحمدُ للهِ الذي أنزلَ القرآنَ وجعلَه خيرَ وسيلةٍ إلى سبيلِه سبيلِ السلام، فأبانَ به الحلالَ والحرامَ، وأكملَ به نعمةَ الإسلامِ على كلِّ الأنامِ، فقال ﷻ: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ١٦}.
  ونشهدُ ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، الملكُ القدوسُ السلامُ المؤمنُ، الذي لا تُدْرِكُه الأبصارُ وهو يُدْرِكَ الأبصارَ وهو اللطيفُ الخبيرُ.
  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ رحمةً للعالمين والداعي إلى الله بإذنِه السراجُ المنيرُ صلى الله عليه وعلى آله قرناءِ القرآن، والحجَجِ على كلِّ الأنامِ وسلمَ تسليماً كثيراً.
  أما بعد:
  عبادَ الله: فإنَّ المتأملَ لحالِ المسلمين في هذا الزمان، وحالِ ارتباطِهم بالقرآن، ليرى ما يدهشُ العقولَ ويحير الألبابَ، إذ قد قستْ القلوبُ، وجمدتِ العيونُ، وهُجِرَ القرآنُ، وإن قُرِئَ قرئ بقلوبٍ غافلةٍ وألسنةٍ لاغيةٍ جُعِلَتْ البركةُ في مجردِ تلاوتِه وسماعِه، والمفاخرةِ بحسنِ ترتيلِه وتجويدِه، وتُرِكَتْ بركتُه الحقيقيةُ التي هي في تدبرِ معانيه واتباعِ أوامرِه، وإحلالِ حلالِه وتحريمِ حرامهِ، وتحكيمِه في كلِّ أمورنا امتثالاً لأمرِ اللهِ القائلِ: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.