الخطبة الأولى
[٢٥] - نعم الله على الخلق
الخطبة الأولى
  
  الحمد لله المتفضلِ بالإنعامِ، والموصوفِ بالإحسانِ، والمحمودِ بكل لسانٍ، الذي لا يحصي نعماؤَه العادون، ولا يؤدي حقَّه المجتهدون، نحمده على سوابغِ نعمائِه، وترادفِ آلائه، ونؤمنُ به أولاً بادياً ونستهديه قريباً هادياً.
  ونشهد ألّا إله إلا الله شهادةَ عبدٍ معترفٍ له بالوحدانيةِ، مقرٍ له بالربوبيةِ، منزهٍ له عن الشبيه والمثالِ، وشاهدٍ له بالعظمة والكمال.
  ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المختارُ، ونبيُه الأواه، من اختارَه لرسالتِه واصطفاه لدينِه، صلى الله عليه وعلى آله الولاة، سفن النجاة، وسلم تسليماً كثيراً.
  وبعدُ:
  عبادَ الله: إن الله خلقَ الخلقَ حين خلقَهم غنيّاً عنهم لا تنفعُه طاعةُ من أطاعَه، ولا تضرُّه معصيةُ من عصاه، لم يأمر تجبُّراً، ولم ينهَ تكبراً، بل أمره ونهيه لمنفعة ومصلحة للعباد.
  فما أمرَ اللهُ بأمرٍ إلا وفيه رحمةٌ ومصلحةٌ، وما نهى عن شيءٍ إلا وفيه مفسدةٌ ومضرةٌ، فالله سبحانه وتعالى حكيم خبير، يعلم بأن أكثر الخلق غافل عن مصلحته جاهل لما فيه منفعته.
  يسعى دائما لإشباع ملذاته وشهواته، ولو كان فيها هلاكه ودماره إنه كان ظلوماً جهولا.
  ومن رحمته تعالى لم يكلفْْْْ أحداً فوقَ وسعِه وطاقتِه، بل حصرَ التكليفَ على حسبِ القدرةِ والإمكانِ، كما صرحَ بذلك في القرآنِ حيثُ قال عز من قائل: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}، وقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} وقوله تعالى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أي على قدر وسعكم