سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 292 - الجزء 1

  وتمكنكم.

  فالله حكيمٌ في نهيِه، رحيمٌ في أمرِه، خبيرٌ بعبادِه بصيرٌ بما فيه مصالحهم، عليمٌ بعواقبِ أمورِهم وخواتمِ أعمالِهم، فهو اللهُ العدلُ الحكيمُ قائمٌ بالقسطِ عدلٌ في الحكم رؤوفٌ بالعباد. قال وقوله الحق المبين: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

  عبادَ الله: إن العبدَ مربوبٌ لمن رباه، ومملوكٌ لخالقه الذي سواه، ومن ماءٍ مهين ابتداه، ليس له مع سيده أمرٌ، ولا يناقش في حُكْمِه، {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

  إن كلَّ عاقلٍ يحكمُ جازما بوجوبِ طاعةِ العبدِ لسيدِه، والمملوك لمالكه، ولا يرضى أحد منا أن يتمرد العبد عن خدمة سيده ولا يجيز لمملوك أن ينازع مالكه في أمره.

  ونحكم على من تمرد بالعقاب، واستحقاق العذاب وهذا حق وصواب. ولكن العجب العجاب. أننا نذم عبدا أبق وتمرد في هذه الدنيا، ونحكم بعقوبته وننسى أنفسنا، نرى القذى في أعين الآخرين ولا نرى الجذع في أعيننا.

  ألا نعلم بأننا عبيد مملوكين لرب السموات والأرض، ومالكنا ومن له مطلق التصرف فينا، والذي له كل فضل ومنَّة علينا، ونعمه سابغة في كل لحظة إلينا، أوجدنا من العدم وأنشأ فينا الحياة ولم نكن شيئا مذكورا قال تعالى: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} فليس لنا على أنفسنا فضل بل كلنا لله الواحد القهار.

  عبادَ الله: هل يعلمُ ابن آدم بأنه عبدٌ مربوبٌ، رباه مالكُ السمواتِ والأرضِ ورعاه وكلاه، وبرحمتِه حفظه ورباه، ينقلُه أطوراً حالاً بعدَ حال في ظلماتِ الأرحامِ، وهو لا يعلمُ شيئاً عن نفسِه، ولو أوكله إلى نفسِه لعجزَ عما فيه مصلحتها ولعزب عنه نفعها.