الخطبة الثانية
  فإِذَا صَدَقَ فِي تَغْيِيِرِ بَاطِنِه، وَأَخْلَصَ فِي اسْتِقَامَتِهِ تَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ مِنْ حَولِهِ، وتغيرت نظرته لما حوله، وتغيرت أخلاقه ومعاملته مع الناس، واخْتَلَفَتْ نَظرةُ النَّاسِ إِلِيهِ، وَتَغَيَّرَتْ مُعَاملتُهم لَهُ، وَفَرَضَ هَيبتَهُ واحترامَهُ على النَّاسِ، وَكُلُّ هذا بِسببِهِ هو؛ لأنه احْتَرمَ النَّاسَ فَاحْتَرمُوه، وَأَحْسنَ الظنَّ بِالنَّاسِ فَأْحْسَنُوا بِه الظّنَّ، وصَان لِسانَه عنْ أَعراضِهم فَصَانُوا عِرضَه.
  عِبادَ الله:
  إِنَّ التوبةَ الصادِقةَ النصوحَ تَجعلُ صَاحِبَها فِي حِصنٍ وَمَنَاعةٍ حَامِيةٍ مِن كُلِّ قَبِيحٍ، مُصَانَةً مِن كُلِّ مُسْتَكْرهٍ، وَبِهَذا يَكُونُ العبدُ التَّائبُ قَد بَنا نَفْسَه بِناءً عَظِيماً كَرِيمَا، وَجَعَلَ لَهَا مَكانَتهَا بَينْ النّاسِ، وَرَفعَ مُقَامَها، وَتَغَيَّرَ كُلُّ شَيءٍ مِنْ حولِه، وَكَسَبَ حُبَّ النّاسِ، ورِضَاهُم، وَأَمِنُوه وَاسْتَأْمَنَهم وَاسْتَأْمَنُوه، فَلا يَرَى مِنهم إِلَّا مَا يُحبُّ، وَلا يَسمعُ مِنهم إِلَّا مَا طَابَ مِن الكلامِ، وَسَيُبَدِّلُه اللهُ عَن كلِّ مَا تَركهَ لِلهِ مَا هُو خَيرٌ منه، ومن تَركَ شَيْئاً للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيراً مِنه؛ لِأنَّ العبدَ إِذا أَرْضَى اللهَ أَرْضَاه اللهُ وأَعَزَّهُ وَأَكَرَمَهُ، وسَخَّرَ لهُ كُلَّ شيءٍ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللهَ أَسْخَطَ اللهُ عليهِ كلَّ شيءٍ حَتَّى الأرْضَ التي يَسِيرُ عَليهَا.
  وَكَمَا رُوِي عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قالَ رسولُ الله ÷: «مَنْ أَسْخَطَ اللهَ فِي رِضَا الناسِ سَخِطَ اللهُ عَليهِ، وأسْخَطَ عَليه مَنْ أَرضَاهُ في سَخَطِهِ، ومَنْ أَرْضَى اللهَ في سَخَطِ الناسِ ¥، وَأَرْضَى عَنْه مَنْ أَسْخَطَهُ في رِضَائِه»
  فَالتَوبةُ عِبادَ الله:
  هِي حَدٌّ فَاصِلٌ بَينَ حَياةِ اللّهْوِ واللّعِبِ، وَبَينَ حَياةِ الجِدِّ والصّدْقِ، إِنَّها انْتِقَالٌ مِنْ حَضْرَةِ المرَدَةِ والشَّيَاطِينِ إِلى رِحابِ اللهِ الطَّاهِرِ الُمقَدَّسِ، إِنها تَحَوُّلٌ مِن مُجْتَمَعِ السُّفهاءِ والسَّفلةِ، إِلى زُمْرةِ الكرامِ البررةِ.
  فَهِيَ عَملِيَّةُ تبديل كُلِّ مَا هُو قَبِيْحٌ بِكلِّ مَا هُو طَيِّبٌ وَجَمِيلٌ، وَسوفَ يُحَبِّبُ اللهُ للتائب الخيرَ وَيُكَرِّهُ لَه الشرَّ وذلك من لطف الله وتوفيقه كما قال تعالى: