الخطبة الثانية
  في الذكر
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ الَّذِي ذِكْرُه شَرَفٌ لِلذَّاكِرِين، وَشُكرُه فَوزٌ لِلشَّاكرين، نَحْمَدُه عَلَى كُلِّ حَالٍ وَنَشْكُرُه بِالْغُدُوِّ والآصَالِ، وَنَسْأَلُه الْعَونَ عَلى طَاعَتِهِ.
  وَنَشْهَدُ ألَّا إلَه إِلَّا اللهُ وَليُّ الشَّاكِرين، وَمُثِيبُ الذاكرين.
  وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُه وَرَسُوْلُه الْخَاتمُ لِمَا سَبَقَ، وَالْفَاتِحُ لِمَا انْغَلقَ، ~ وَعَلَى آلِه الأخيارِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيراً، القائل فيما رواه أبو طالب في الأمالي: «سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ هنَّ الباقياتُ الصالحاتُ، وهنَّ كنزٌ من كنوزِ الجنة»
  أمَّا بعد:
  عِبادَ اللهِ:
  إِنَّ أكثرَ النَّاسِ فَوْزَاً وَأَكْثَرَهم سَعَادَةً هُم الَّذِين يُلَازِمُونَ عَلَى الذِّكْرِ وَيُحَافِظُونَ عَلَيهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِم، فِي طَرِيْقِهم لِلْعَمَلِ، وَفِيْ طَرِيقِ السَّفرِ، وَحَتَّى فِيْ الْأَسْوَاقِ، وَعِنْدَما يَأْوُوْنَ إِلى فِرَاشِهم، قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}[آل عِمران ١٩١]، لَا يُعْذَرُ امْرِؤٌ فِيْ غَفْلَتِهِ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي النِّسْيانِ لَه، وَلَا تُغْنِيْ طَاعَةٌ مَهْمَا كَانَتْ عَنْ الذِّكْرِ، ولَا يَقومُ مَقامَه شَيْءٌ، فَالْمُجَاهِدُونَ - وَهُمْ فِي سَاحةِ الِمَعْرَكةِ يُواجِهُونَ الْعَدُوَّ - مُطَالَبوُنَ بِذكرِ اللهِ كَمَا قَال تَعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}[الأنفال ٤٥]، فَلَمْ يَعْفِهِمُ اللهُ عَن الذِّكرِ حَتَّى وَهم فِي أَشَدِّ الْمَواقِف، وِأَصْعَبِ الظُّرُوفِ مِنْ قِتالٍ وَنَحْوِه، بَلْ قَد جَعَلَ الذِّكرَ سَبَبًا لِلفلاح والنصر.
  وَحَتَّى بَعدَ كُلِّ عِبادةٍ وَفَرِيضةٍ نَحنُ مُطَالَبُونَ بِالذِّكرِ، فَمَنْ أتَمَّ صَلَاتَه فَلْيَقْعُدْ