الخطبة الثانية
  وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}.
  فليس البرَّ والفلاحَ بمجردِ الصلاةِ والتنسكِ في المسجدِ، ثم يخرجُ فيشتمُ هذا ويذمُّ هذا، ويشهدُ الزورَ، ويسعى بين الناسِ بالهمزِ واللمزِ والغيبةِ والنميمةِ، وإثارةِ المشاكلِ بين الناسِ، فليس هذا هو الدينُ الذي أرادَه اللهُ، وليس هذا هو الإيمانُ، إنما الإيمانُ دينٌ وعملٌ عبادةٌ ومعاملةٌ وحسنُ خُلُقٍ ورحمةٌ ومودةٌ وألفةٌ وإخاءٌ وتعاونٌ وتناصحٌ وإحسانٌ.
  عبادَ الله: إياكم ومجاوزةَ الحدودِ التي رسمَهَا اللهُ لكم في كتابِه وعلى لسانِ نبيِّه، وما أكثرَها وما أقلَّ من يحذرُها، وأبلغُ مثالٍ على ذلك، طاعةُ الوالدين التي قرنها اللهُ بطاعتِه في أكثرِ من آيةٍ من القرآنِ الكريمِ، حيثُ يقولُ عز من قائلٍ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}، وقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}.
  وما أكثرُ الناسِ العاقين لهما والظالمين لهما والمستخفين بحقِّ اللهِ فيها: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ٧ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٨}.
  لقد جعل اللهُ للوالدين حقاً عظيماً ومقاماً كريماً، لا يجوز تجاهلُه؛ فإن مِن حقِّ الوالدين أن تطيعَهما، ولا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرْهُما وقل لهما قولاً كريماً.
  فأين مَن يسبُّ أمَّه ويشتمُ أباه - مِن قولِه تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}؟
  وأين مَن يهجرُهما ويضربُهما - مِن قولِه تعالى: {وَلَا تَنْهَرْهُمَا}؟
  وأين مَن يُبْكِيهِما في الصباحِ والمساءِ - مِن قول الله: {وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}؟
  أين من يُؤذيهما ويكرههما - مِن أمرِ اللهِ القائلِ: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً}؟ وقولِه تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}؟