الخطبة الثانية
  عبادَ الله: لقد تعدى كثيرٌ من الخلقِ حدودَ اللهِ، وانتهكوا حرماتِه وهتكوا ما نهاهم عنه من الأستار، وقطعوا ما أمر اللهُ به أن يوصلَ، وكيف لِمَن هذا حاله أن يشمَّ رائحةَ الجنةِ وقد رُوِيَ عن النبيِّ ÷: «الجنةُ يوجدُ ريحُها مِن مسيرةِ خمسمائةِ عامٍ ولا يجدُ ريحَها عاقٌّ ولا قاطعُ رحمٍ».
  إن الإيمانَ ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكنَّه ما وقرَ في القلبِ، وصدَّقَة العملُ، إنه نورٌ يشعُ في الجوانحِ، تَبِيْنُ آثارُه على الجوارحِ بالعملِ الصالحِ.
  قال رسولُ اللهِ ÷: «لا إيمانَ لِمَن لا أمانةَ لَهُ ولا دينَ لمن لا عهدَ له، والذي نفسُ محمدٍ بيدِه لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ لسانُه، ولا يستقيمُ لسانُه حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يدخلُ الجنةَ مَن خافَ جارُه بوائِقَه» قيل: وما بوائقُه يا رسولَ الله؟ قال: «غشمُه وظلمُه».
  وقال ÷: «لا يؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لأخيِه ما يُحبُّ لنفسِه».
  عبادَ الله: إنَّ الدينَ دينُ رحمةٍ وسماحةٍ وخُلُقٍ، وهذا رسولُنا الكريمُ يبينُ لنا المنهاجَ السويَّ الذي ينبغي أن نسيرَ عليه، والذي ينبغي أن نتحلى به حيثُ قالَ ÷: «مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتعاطُفِهم وتراحُمِهم كمثلِ الجسدِ الواحدِ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الأعضاءِ بالسهرِ والحمى»، وقالَ رسولُ اللهِ ÷ «المؤمنون كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضا».
  فأين نحنُ من هذه الوصايا؟! وأينَ نحن من قولِه ÷ - مقسماً -: «لا تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: أفشوا السلامَ وتواصلوا وتباذلوا».
  مَن منا يحبُّ لأخيه ما يحبُّ لنفسِه ويكرَهُ لأخيه ما يكرهُه لنفسِه؟! مَن هو المسلمُ الذي سَلِم الناسُ من لسانه ويدِه؟ من منّا صفّى قلبَه من الحقدِ والغلِّ والحسدِ على اخوانِه؛ فنجا وفازَ في يومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنونَ إلا مَن أتي اللهَ بقلبٍ سليمٍ - أي: خَالٍ من النفاقِ والحسدِ وغيرها من الموبقات -.