الخطبة الأولى
  ولا بُدَّ في يومٍ من الأيام أن تُدْعَى فتُجيب {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً}[الإسراء: ٥٢].
  إنَّ خُطواتِكَ معدودةٌ فإذا انقضتْ فقد آنَ الرحيلُ، وإنّ أنفاسَك محسوبةٌ فإذا نَفدَتْ جاءك النذير، وإنَّ دقاتِ قلبِك محدودةٌ فإذا بلغتَ الحدَّ ونَفِدَ العددُ، توقفَ القلبُ عن النبضِ، ووهنتْ القوى وشحُبَ الوجهُ، وغارت العيونُ وذبلتِ الشفاهُ وانتهتِ الحياة.
  عبدَ الله أتعلمُ أين أنتَ؟ أتعلم لماذا أنتْ هنا؟ أتعلم من أين أتيت؟ وإلى أين أنت ذاهب؟
  أنت هُنا في دارِ بلاءٍ وامتحان.
  وأتيتَ هنا للتزودِ من دارِ البوارِ لدارِ القرارِ وجمعِ الزادِ ليومِ المعاد.
  وأنتَ على موعدٍ مع رحلةٍ طويلةٍ بعيدة، وسفرٍ شاقٍ موحشٍ يحتاجُ للزادِ الكافي.
  قد يكونُ كلٌّ مِنَّا يعلمُ ذلك كلَّهُ وكم رأينا وَلَكم نرى من مُسافرين ودّعناهم في رِحلَتِهم وشيّعناهم في سفرِهم إلى مثواهُمُ الأخير.
  ولكن لماذا نصرفُ هَمَّنَا مِنَ الشيءِ الأهمِّ إلى التافِهِ الحقيرِ من هذه الحياة؟!
  أين المتزودون للسفرِ المتأهبونَ للرحيل؟
  أين اليَقِظُونَ المتنبِّهون إلى نداءِ الوداعِ وناعي الفراق؟ أين المُعِدُّون الزادَ والمدخرون العَتَادَ ليومِ الحشر والمعاد؟ أين مَن عَمَدَ إلى قلبِه فغسله بالتوبةِ ونقَّاه بالاستغفارِ من آثار الحسدِ والحقدِ والغلِ والكفرِ والنفاقِ والعداوةِ والبغضاءِ ليلقى اللهَ صافياً نقيّاً سليماً استعداداً ليومٍ لا ينفع فيه مالٌ ولا بنونَ إلا مَنْ أتى اللهَ بقلبٍ سليم.
  عبادَ الله: انظروا كم الفرقُ بينَ هؤلاءِ وبينَ مَنْ سخروا حياتَهم في إشباعِ الرغباتِ ونيلِ الطَلِباتِ، واللهثِ وراءَ الشهواتِ والملذاتِ؟
  منهم من قضى حياتَهُ في إِشباعِ بطنهِ وتغذيةِ بِدِنهِ بأنواع الأطعمةِ وأصنافِ