الخطبة الأولى
  المأكولاتِ فَثَقُلَ جِسمهُ، وكَبُرَ بطنُه، وذهبت فطنتُهُ، فأخلدَ إلى النومِ والكسلِ، وضيعَ حقوقَ اللهِ وانتهك محارمَه.
  ماذا يُجدي كبرُ الأجسادِ وانتفاخُ البطونِ مادامت ستصبح غذاءً للدودِ في ظلماتِ اللحودِ.
  وهناكَ مَنْ قضى حياتَهُ في خدمةِ مظهرِهِ وتزيينِ منظرِه وإفسادِ مخبرِه، ينفقُ الأموالَ الطائلَةَ، والأوقاتَ الطويلةَ في تنعيمِ جسمِهِ وتسريحِ شعرِه وحلقِ عارضَيهِ وفي غسلِ وكيِّ ثيابِه، إن رأى شيباً نتفه أو عيباً غيبه.
  ومنهم مَن همه الذي في سبيلِه قضى حياتَهُ وضحى بأَنْفَسِ ما لَدَيهِ، وهو وقتُه الذي سيبكي ندماً يوماً عليه، السعيُ لإشباعِ شهواتهِ وإطفاءِ نزواتهِ، مَثَلُه كمثلِ الحيوانِ لا يردعُه رادعٌ ولا يردُّه رادٌ عن إدراكِ غايتِه من حرامٍ أو من حلال.
  ومنهم من قضى حياتَهُ يجمعُ الأموالَ ويكنزُها من حِلِّها وغير حِلِّها ألهاهُ التكاثرُ عنِ اليومِ الآخرِ يباهي بها الأقرانَ ويتكبرُ بها على إخوانِه ويتطاولُ بها على الضعفاءِ والمساكينِ، تراه يجلسُ في مجالسِ الفقراء يخاطبُ الضعفاءَ بقولهِ اشتريتُ هذا بكذا، وبعتُ كذا بكذا، وهكذا في كل يومٍ يُلْهِبُ قلوبَ المساكينِ بسياطِ الحسرةِ والأسى، ولسانُ حالهم: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}.
  ابنَ آدم: إنك غريبٌ، راحلٌ لا محالةَ عن هذهِ الدارِ، ومن حقِّ الغريبِ أن يُسخِّر وقتَهُ وجهدَهُ فيما يستطيع نقلَه إلى دارِ قرارِه ومستقرِّه، فإنَّ الغريبَ المرتحلَ لا يبني الدورَ ويشيدُ القصورَ في دارٍ هو عنها راحلٌ، واللهُ تعالى يقولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}
  عبادَ الله: كلٌّ مِنّا يسائلُ نفسَهُ ما هو الزادُ الذي أعَدَّهُ لسفرِه؟
  كم من النوافلِ صلى من غيرِ الواجبِ؟