سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 100 - الجزء 2

  {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}⁣[الزمر ١٠]، وما أصابَ المؤمنَ من مصيبةٍ ولا مَسَّهُ مِن بلاءٍ إلا جعلَ اللهُ له أجرًا على صَبرِهِ ورضاه، حتى الشوكة يُشَاكها، وإنَّ اللهَ ليُسَلِطُ على عبدِهِ المؤمن البلوى تِلْوَ البلوى حتى يمشي على ظهرِ الأرضِ وليسَ عليهِ خطيئةٌ، فأيُّ فضل أعظمُ من هذا أنْ يكفِّرَ اللهُ عنكَ الذنوبَ ويمحوَ الخطايا بمَضَارٍّ عاجلةٍ وابتلاءاتٍ في المالِ أو النفسِ، فيكفيكَ اللهُ نِقَمَ يومِ القيامةِ وبلاءَ النارِ، وأيُّ نعمةٍ أعظمُ مِن أن يأتيَ الخلقُ يومَ القيامةِ للحسابِ والجزاءِ فيدعى بالعلماءِ فيُنْصَبونَ للحسابِ ويؤتى بالشهداءِ فيُوقَفُونَ للحسابِ، ثم يؤتى بأهلِ البلوى والذين مَسَّهُمُ الضُّرُّ فصبروا واحتسبوا فَلا يُنْصَبُ لهم ميزانٌ، بل يقال لهم: ادخلوا الجنةَ بسلامٍ {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ۝ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}⁣[الرعد ٢٣ - ٢٤] {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}⁣[الزمر ١٠].

  عِبادَ اللهِ:

  هَلْ يَعْلَمُ أَهْلُ البلاءِ الذين يتذمَّرونَ مِنْ حِكْمَةِ اللهِ عليهم ويرُِدُّونَ قَضاءَ اللهِ بِالشَّكْوى وَالبُكاءِ وَعَدَمِ الرِّضَا أَلَا يَعْلَمونَ بِأَنَّهُمْ يُحْرِمُونَ أَنفُسَهُمُ الثوابَ وَيَلْحَقُهُمُ الإِثمُ بِذَلِكَ وَلو أَنَّهُم صَبَرُوا لَكَانَ خَيْراً لَهُم.

  {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}⁣[البقرة ١٧٧]، فَالْمَرَضُ وَالْبَلاءُ إِنَّمَا هُو مَطْهَرةٌ لِلذُّنوبِ الصغائر وَكَفَّارةٌ لِلخطايا وإنها لَتَحُتُّ الْخَطَايا كما يَحُتُّ الشِّتَاءُ أَوْرَاقَ الشَّجرِ، هَلْ يعلمُ أَهلُ البَلْوَى بِأَنَّ الْمُؤْمِنين كانوا يَعُدُّونَ البَلاءَ نِعمَةً، وَالْمَرضَ رحمةً وَأَنَّهُم كَانُوا يَفْرَحُونَ بِالعِلَّةِ فَرَحَهُمْ بِالعافيةِ، بَلْ إِنَّ بَعْضَهُم لَيَحْزَنُ وَيَخَافُ إِذَا مَرَّ عَليهِ العامُ وَلَمْ يُصِبْهُ مَرَضٌ وَلَا بَلاءٌ.

  نعم أخي المؤمن كلُّ ذلك الأجر على الصبرِ وتكفيرِ الصغائرِ والعظة والعبرة إذا كان المبتلى مؤمنًا مجتنبًا للكبائرِ، وإلا فلا حظَّ له إن كان فاجرًا إلا تعجيل عقوبة أو لعله يتذكر أو يخشى.