الخطبة الأولى
  فقالَ: يا عبد الله، كنتَ تريدُ ولدًا؟، قال: أجل، قال: لو أنَّ اللهَ أوحى إليك هل يختارُ لكَ أم تختارُ أنتَ لنفسِكَ ماذا تقولُ؟ قال: يختارُ اللهُ لي، قال: فقد اختارَ، قال الرجلُ: وأنا رضيتُ.
  عِبادَ اللهِ:
  {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}[النساء ١٤٧]، ما المصلحةُ العائدةُ مِنْ إِهْلَاكِ الْحَرثِ والنَّسْل؟.
  إِنَّ اللهَ قَدْ حَرَّمَ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِه، وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ أَنْ يَظْلِمَ الناسَ شَيْئَاً: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[يونس ٤٤].
  وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الْابْتِلَاءِ والاخْتِبَارِ؛ ليَمِيْزَ اللهُ الْخَبيثَ مِنَ الطَيِّبِ كَمَا قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران ١٧٩]، فَاللهُ - تَعَالَى - لا يَقْبَلُ إيْمَانَ الْمَرْءِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِلِسَانِهِ إِنَّهُ قَدْ آمَنَ، بَلْ لابُدَّ مِنْ تَمْحِيصِهِ لِيُظْهَرَ عَلَى حَقِيقَةِ أَمْرِهِ؛ لأن الله لا يعاقب على علمه، وَالْبَلاءُ هُوَ الْمعِيارُ الذيْ يُعْرَفُ بِهِ صادقُ الإِيْمانِ مِن كَاذِبِهِ، كَمَا قَالَ تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[الأنبياء ٣٥]. والبَلاءُ وَالشِّدَّةُ هُمَا الغِرْبَالُ والْمِعْيَارُ الذيْ يُعْرَفُ بِهِ المُؤمنونَ كما قال تعالى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْأِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً} وقال تعالى: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} فَعَلَى الْمُؤْمنِ أَنْ يُوطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى قَبُولِ كُلِّ مَا جَاءَهُ مِن رَبِّهِ مَهْمَا كَانَ، وَعَليهِ أَنْ يَتَحَلَّى بِالصَبْرِ والرِضَا وَيَحْتَسِبَ مِنَ اللهِ الأَجْرَ والثوابَ، ففيْ الصبرِ أَعظمُ الأَجرِ فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ عِبادةٍ أَجْراً مَعْلُوماً وَثَواباً مُقَدَّراً إلا الصبر فَإِنَّ الصَابِرَ يُوَفَّى أجرَهُ بغيرِ حسابٍ كما قال تعالى: