سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 144 - الجزء 2

  وَإِنَّمَا الْأَسَفُ عَلَى قُلُوبٍ ضَرَبَتْ عَلَيْهَا الْغَفْلَةُ خَيَامَهَا، وَعَلَى نُفُوسٍ اسْتَحْكَمَتْ فِيْهَا الشَّهَواتُ وَأَعْلَنَتْ دَوَامَهَا، وَعَلَى عُقُوْلٍ ذَهَلَتْ عَنِ القَيَامَةِ وَأَهْوَالِهَا ..

  نَعَمْ وَاللهِ، إِنَّمَا الْأَسَفُ عَلَى قُلُوبِنَا الَّتِي قَدْ سَيْطَرَتْ عَلَيْهَا الْغَفْلَةُ، حَتَّى أَصْبَحَتْ لَا تَهْتَمُّ إِلَّا بِالأُمُوْرِ الدُّنْيَوَيِةِ، وَعَلَى نُفُوْسِنَا الَّتِيْ اسْتَحْكَمَتْ فِيْهَا الشَّهَوَاتُ، حَتَّى أَصْبَحْنَا نُؤْثِرُ شَهَوَاتِ أَنْفُسِنَا عَلَى طَاعَاتِ رَبِّنَا، وَعَلَى عُقُوْلِنَا الَّتِيْ ذَهَلَتْ عَمَّاَّ يُرَادُ بِهَا، وَغَفَلَتْ عَمَّا هِيْ قَادِمَةٌ عَلَيهِ مِنَ الْمَوْتِ، وَعَمَّا وَرَاءَ المَوْتِ ..

  أَيُّهَا الإِخْوَةُ اتَّقُوا اللهَ رَبّكُمْ، وَانْتَبِهُوا مِن غَفْلَتِكْمْ، فَإِنَّ قَبْلَكُمْ أُمُوْرَاً عَظِيْمَةً، وَأَهْوَالاً جَسِيْمَةً، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ الْمَوْتِ، لَا بُدَّ مِنَ الْبَعْثِ وَالْحِسَابِ، لَا بُدَّ مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ.

  فَمَاذَا أَعْدَدْنَا لِلْمَوْتِ؟ وَمَاذَا أَعْدَدْنَا لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ؟

  إِنَّنَا وَاللهِ أَعْدَدْنَا لَهُ حُبَّ الدُّنْيَا، الَّتِيْ أَصْبَحَتْ أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَمَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَغَايَةَ رَغْبَتِنَا.

  إِنَّنَا أَعْدَدْنَا لَهُ الْغِيْبَةَ، وَالنَّمِيْمَةَ، وَالمُشَاحَنَةَ بَيْنَ النَّاسِ.

  إِنَّنَا أَعْدَدْنَا لَهُ التَّشَاجُرَ، وَالتَّنَاحُرَ فِيْمَا بَيْنَنَا، فَهَلْ سَيَنْفَعُنَا ذَلِكَ عِنْدَ الْمَوْتِ؟ أَمْ سَيَضُرُّنَا؟

  وَهَلْ سَيُخَلِّصُنَا ذَلِكَ إِذَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدِيِ اللهِ سُبْحَانَهُ لِلْحِسَابِ، وَالنِّقَاشِ عَلَى الصَّغِيْرَةِ، وَالْكَبِيْرَةِ؟ أَمْ سَيُهْلِكُنَا؟

  كَلَّا وَاللهِ إِنَّهَا الْفَاقِرَةُ، وَالقَاصِمَةُ لِلظَّهْرِ، إِذَا قَدِمْنَا عَلَى اللهِ وَهَذِهِ الْأَعْمَالُ سَتَكُونُ عَلَيْنَا نَدَامَةً وَنَلْقَى عُقُوبَتِهَا، كَمَا يَقُوْلُ الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَى ٣٥ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى ٣٦ فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٧ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٨ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٣٩ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤٠}.