الخطبة الأولى
  فَهَلْ نَهَيْنَا أَنْفُسَنَا عَنِ اتِّبَاعِ الهَوَى؟
  هَلْ نَهَيْنَا أَنْفُسَنَا عَنِ اتِّبَاعِ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَإِيْثَارِهَا عَلَى طَاعَةِ اللهِ؟
  هَلْ نَهَيْنَا أَنْفُسَنَا عَنِ الكَذِبِ، وَالْمَكْرِ، وَالْخَدِيْعَةِ؟
  هَلْ نَهَيْنَا أَنْفُسَنَا عَنِ الْحَسَدِ، وَالْغِيْبَةِ، وَالنَّمِيْمَةِ، وَسَائِرِ الآثَامِ؟ أَمْ نَحْنُ مِنَ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيْهِمْ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ..
  نَعَمْ إِنَّ النَّفْسَ هِيَ الَّتِيْ تُزِيِّنُ لِلْإِنْسَانِ الشَرَّ، وَالفَسَادَ، وَالانْحِلَالَ، وَهِيَ الَّتِيْ تَدْفَعُ الإِنْسَانَ إِلى التَّرَاجُعِ، وَالتَّقَهْقُرِ، وَالارْتِدَادِ عَنْ دِيْنِهِ، وَهِيَ الَّتِيْ تَدْفَعُ الإِنْسَانَ لِسُوْءِ التَّعَامُلِ مَعَ الْمُؤْمِنِيْنَ، كَمَا حَصَلَ لِلسَّامِرِيِّ، الَّذِيْ أَضَلَّ النَّاسَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ، كَمَا حَكَى اللهُ ذَلِكَ فِيْ كِتَابِهِ الْعَزِيْزِ، حَيْثُ يَقُوْلُ: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي}.
  وَاتِّبَاعُ هَوَى النَّفْسِ هُوَ سَبَبُ كُلِّ مَعْصِيَةٍ لِلهِ، وَلِرَسُوُلِهِ، وَمُخَالَفَةِ الأَنْبِيَاءِ، وَالْعُلَمَاءِ، والعُدْوَانِ عَلَيْهِم، وَهُوَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ عُقُوبَةٍ، كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَمَا سَيَكُوْنُ فِيْ الآخِرَةِ.
  كَمَا يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}.
  فَلَا نَجَاةَ لَنَا، وَلَا خَلَاصَ لَنَا مِنْ هَوَى النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ إِلَّا بِأَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا، فِيْ كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، يُحَاسِبُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ فِيْ خِتَامِ يَوْمِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَملَ عَمَلاً صَالِحاً شَكَرَ اللهَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَمِلَ عَمَلاً سَيِّئاً اسْتَغْفَرَ، وَتَابَ إِلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ ..
  أَيُّها الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُوْنَ حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ فِيْ دَارِ الْمُهْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَقِفَ الإِنْسَانُ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْمُلُوْكِ، وَجَبَّارِ السَّمَوَاتِ فَيُحَاسِبُهُ عَلَى الصَّغِيْرَةِ