سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 169 - الجزء 2

  أليس يغامرُ الآنَ، ويفادي بحياتِهِ لئلا يسخرَ منهُ إخوانُهُ؟ فلماذا يرضى في اليومِ الآخرِ أن يصبحَ أضحوكةً بين الأممِ أمامَ الأنبياءِ والرسلِ؟

  لماذا لا يخجلُ أن يصيرَ مسخرةً بين الناسِ، وكلٌّ يسخرُ بهِ ويستهزئُ منه؟

  يُذَلُّ ويُهانُ أمامَ أهلِهِ وأصحابِهِ، بل وأمامَ الخلقِ أجمعينَ. {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}، بل وأعظمُ من ذلك أن يفتضحَ ويُهتَكَ ستْرُهُ أمامَ أعدائِهِ في الدنيا، وخصمائِهِ الذين كان يكرهُهُم ويتمنى لهمُ الهلاكَ.

  فهاهم اليومَ يشاهدونَ مصرعَهُ، ويحضرون وينظرون إلى هَتْكِ سِترِهِ، وأعظمُ من كلِّ ذلك أن يجمعَ اللهُ بينَه وبينَ أعدائِهِ وأبغضِ الناسِ إليه في الدنيا في سجنٍ واحدٍ ومقرٍّ واحدٍ، أولئك الذين كنتَ لا تُطِيقُ رؤيةَ الواحدِ منهم، ولا تحتملُ النظرَ إلى وجهِهِ، ولا تطيقُ سماعَ صوتِهِ، فإذا به اليومَ قرينُكَ وأنيسُكَ وجليسُك في النارِ، ورفيقُك إلى أبدِ الأبدِ وسرمدِ السرمدِ، من يا تُرى يطيقُ ذلك العذابِ فوقَ العذابِ.

  {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ١ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}

  ومِنَ الحسرةِ أن يرى المرءُ زوجتَهُ الصالحةَ وقد زُفَّتْ إلى الجنةِ مع أبنائِهِ وإخوانِهِ وقد مُنِعَ وحُبِسَ عنها، وقد أبدَلَها اللهُ زوجًا خيرًا منه، وحسرةٌ أيضًا أن ترى مَنْ كنتَ تسخرُ منهم وتستهزئُ بهم، وتحتقرُ مجالسَهم، وتتكبرُ وتأنفُ أن تجالسَهم أو تكلمَهم وقد أقبلوا بأعمالِ كالجبالِ وفازوا بالأجورِ والثوابِ وأنت من أفقر الناسِ وأحقرِهم وأقلِّهم شأنا عندَ اللهِ، وأهونِهم عليهِ، تداسُ يومئذٍ تحت أقدامِهم، قد أدخَلَهم اللهُ الجنةَ، وأدخَلَكَ النارَ وأنت تنادي مع المنادين: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ١٠٨ ثم يذكرُك اللهُ بما لك في