الخطبة الأولى
  غضبٍ وسخطٍ، يومُ شدةٍ وبطشٍ، يوماً عبوساً قمطريراً.
  يومُ القيامةِ لو عرفتَ بهولِهِ ... لفررتَ من أهلٍ ومن أوطانِ
  يومٌ تشقَّقتِ السماءُ لهولِهِ ... وتشيبُ منهُ مَفَارقُ الولدان
  بطلتْ فيه الوساطاتُ والشفاعاتُ، فلا رشاوي ولا تجاوزاتٍ ولا مجاملاتٍ.
  {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ٧ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} وقال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ}
  فالناسُ في ذلك اليومِ أبعدَ ما يفكرونَ بأن يلتفتوا إلى فقيرٍ يستغيثُ أو معسرٍ يطلبُ العونَ، الكلُّ يبحثُ عن الخلاصٍ، والفقيرُ في ذلك اليومِ منبوذٌ مكروهٌ، مغضوبٌ عليه.
  الإنسانُ العاقلُ ليس بحاجةٍ إلى أن ينتظرَ ذلك اليومِ لكي يستجدي رحماتِ الناسِ، أو يتذللَ إلى الخلقِ، يجبُ أن يبحثَ الآنَ عن الزادِ الذي يجعلُهُ رافعًا لرأسِهِ كريمًا عزيزًا، لا يُذِّلُ نفسَه، أو يدوسَ كرامتَهُ، وليسعَ لما يصلحُ أمرَ آخرتِهِ، وما يزيدُ في كسبِهِ، ويبارك في حسناتِهِ، ولئلا يُهانَ بينَ الخلائقِ، فالمرءُ في الدنيا يتعبُ لئلا يحتاجَ الناسَ، يصبرُ على الغربةِ وعلى الشدةِ، ويبحثُ عن الريالِ ليكنزَهُ ليومِ الحاجةِ، لكي لا تُذِّلَهُ الرجالُ، ولا يَمُدُّ يدَهُ للآخرين.
  يحافظُ على كرامتِهِ، ويرفضُ أن يُذلَّ أو يُهانَ.
  فلماذا لا يتعبُ الإنسانُ مِن أجلِ أن يتزودَ ليومِ السفرِ الطويلِ؟
  وفي ذلك اليومِ المشهودِ والذي سيقفُ فيه الإنسانُ أمامَ الأولينَ والآخرينَ، ما موقفُهُ إن كان من المفلسينَ غدًا؟ ما حالُ الفقيرِ الذي لا يملكُ الزادَ، ولم يتأهب بالعملِ ليومِ المعادِ؟