سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 47 - الجزء 1

  فالآيةُ تخبرُنا بأنَّ القرآنَ قادرٌ - بإذنِ الله - على أن يحركَ الجبالَ مِن مكانِها، ويُقَطّعَ الأرضَ، ويُكَلِّمَ الموتى ... فأيُّ قوةٍ هذه التي تستطيعُ أن تُزحزحَ جبلاً شامخاً مِن مَكانِه، ووتداً وتَّد اللهُ به هذه الأرضَ؟ وأيُّ قوةٍ بمقدورِها أن تُقطِّعَ الأرضَ، وتفصلها عن بعضِها البعض؟ بل وأيُّ قوةٍ لها القدرةُ على محاكاةِ جثثٍ هامدةٍ، لا حياةَ فيها، فتجيبُ وتنطقُ وهي جثةٌ هامدة؟

  إنها بلا شكٍ قوةُ القرآنِ، ذلك الكلامُ العظيمُ والنظمُ المعجزُ الذي لا يمكنُ للعقلِ البشريِّ أن يحيطَ به أو يدركَ أبعادَه!

  فإذا كان القرآنُ بهذه القوةِ والعظمةِ التي تقدرُ على ذلك كلِّه، فماذا عساها أن تفعلَ بي وبِكَ أيها المؤمنُ إذا دخلْنا تحت دائرةِ تأثيرِها، ونحنُ أحياءٌ لنا عقولٌ تعي وتفهمُ؟

  {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ٥٩ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ٦٠ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ٦١ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}.

  عبادَ الله: إذا كانت مكانةُ القرآنِ، وعظمةُ كلماتِ اللهِ، قد حازت مكانتَها واستحكمتْ بعظمتِها في نفوسِ بعضِ الكفرةِ، والمشركينَ، ونفراً من الجنِّ، ولها القدرةُ حتى على الجمادِ الذي لا يعقلُ؛ فكيف يا تُرى تكونُ منزلتُه في قلوبِ المؤمنينَ المحبين للهِ ورسولِه، وما مدى صلتِهم بِه، وكيفَ كانت علاقتُهم ومعاملتُهم مع آياتِه وبيناتِه.

  لقد أنزلَ اللهُ سبحانَه وتعالى القرآنَ الكريمَ من السماءِ ليكونَ كتابَ هدايةٍ وشفاءٍ وتقويمٍ وتغييرٍ لكلِّ مَن يحسن الإقبالَ عليه ويدخلُ تحتَ دائرةِ تأثيرِه، فتأملْ معي قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.

  فلقد بلغَ هدى القرآنِ ووقعُه على قلوبِ المؤمنين بأن كانت تصغي له