سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 46 - الجزء 1

  عبادَ الله: ليس غريباً ما سمعنا، وليس مبالغاً فيه، بل إن كلَّ ذلكَ قليلٌ في جنبِ عظمةِ القرآنِ الذي هو كلامُ اللهِ، فكلامُ اللهِ شيءٌ عظيمٌ، وأمرُه جليلٌ، فهو كلامُ ربِّ الأربابِ، الكبيرِ المتعالِ، ليس نتاجَ خيالِ آدمي، ولا فلسفةَ حكيمٍ، ولا نظمَ شاعرٍ، ولا مقالةَ أديبٍ {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ٤١ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} ابتدعه الحقُّ المبينُ، ونزلَ به الروحُ الأمينُ فهو نورٌ من نورٍ، ونورٌ على نورٍ، وما هذا شأنُه فلا غرابةَ أن تتأثرَ به كائناتٌ لها قلوبٌ وعقولٌ، وفيها روحٌ تنبضُ بالحياة.

  {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

  بل إن اللهَ قد أعلَمَنا بأن من شأنِ هذا القرآن أنه لو نزلَه على جبلٍ أصمٍ، وخاطبَ به صخوراً جامدةً لا روحَ فيها، ولا حياةَ لها؛ لما لَبِثَتْ أن تتصدعَ من وقعِ آياتِه، ولتصدعت لبيناتِه الصخورُ الصماءُ كما قالَ تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} إنه شيءٌ لا يمكنُ للعقلِ البشريِّ القاصرِ، أن يُدْرِكَ أبعادَه، ومدى قوةِ تأثيرِه، فهذا القرآنُ الذي بينَ أيدينا، له قوةُ تأثيرٍ هائلةٍ لا يمكنُ للعقلِ أن يُحيطَ علماً بها، ولقد ضَرَبَ اللهُ لنا بعضَ الأمثلةِ التي تُبينُ لنا ذلك لندرِكَ قيمةَ المعجزةِ التي بينَ أيدينا، ويبين لنا بأن لهذا القرآنِ من القوةِ والعظمةِ ما هو كفيلٌ بتسييِر الرواسي الشامخات، ومحاكاة الجثثِ الهامدةِ التي فارقتْها الحياةُ فقال عزَّ مِن قائلٍ: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً} فجواب الشرط هنا محذوف وتقديره: لكان هذا التأثير لهذا القرآن.