الخطبة الأولى
  إن هذه الحياةَ الدنيا ليست إلا سُلَّمًا نرتقي على عتباتِهِ نحوَ الدارِ الآخرةِ، نتسابقُ في الدنيا لنفوزَ بمكانٍ في رياضِ الجنةِ في مقعدِ صدقٍ عندَ مليكٍ مقتدرٍ، نتعبُ في الدنيا لنرتاحَ غدًا في دارِ النعيمِ، إن العمرَ معدودٌ، والأجلَ محدودٌ ستون عامًا يقضيها ابنُ آدمَ على وجِهِ هذهِ الأرضِ، وهي مهلةٌ خَوَّلَنا اللهُ إياها، ولغايةٍ منشودةٍ وهي الجنةُ، ومهما تعبَ الإنسانُ وكدَّ فلا بُدَّ له من راحةٍ ينسى معها كلَّ تعبٍ وعناءٍ، وعندَ الصباحِ يحمَدُ القومُ السرى {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
  عباد الله:
  إن يومَ القيامةِ لهو يومُ الحسراتِ ويومُ النداماتِ والتأوُّهاتِ، يومٌ لا ينفعُ فيه ندمٌ ولا حسرةٌ ولا خنوعٌ، ولا تجدي العبراتُ والبكاءُ وكثرةُ الدموعِ، ولا تشفعُ الحشودُ والجموعُ، يومٌ يقولُ النادمونَ على التقصيرِ ما حكى الله {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ}
  فيأتيهم الجوابُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ} ينادُون {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فيكونُ الجوابُ {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} يالها من حسرةٍ حين يبشرُ العاصي بالنارِ فيوقنُ بالبوارِ، فيعضُّ يدَهُ ويقضمُها حتى يبلغَ المرفقَ من شدةِ الحسرةِ والندمِ كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولاً} أيُّ حسرةٍ على العبدِ أعظمُ مِن أنْ يرى رفقاءَه في الدنيا وقد بُشِّروا بالجنةِ والنعيمِ المقيمِ تزفهم الملائكةُ وقد ارتسمتْ على وجوهِهم علاماتُ الرضا وتغشاهم نظرةُ الغبطةِ والنعيمِ، يسعى نورُهم بين أيديهم وهو في ظلمةٍ لا يبصرُ {يَوْمَ