سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 194 - الجزء 2

  تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ويرى العاصي نفسَه وهو مع حزبِ الشيطانِ، وجوهُهم كالحةٌ مسودةٌ عليها غبرةٌ ترهقها قترةٌ، في ظلماتِ الحشرِ لا يبصرون، يتلاومون فيما بينهم ثم يُنادون رفقاءهم من أهلِ الجنةِ {انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} فيردون عليهم هازئين {ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} ارجعوا إلى الدنيا وابحثوا لكم عن نورٍ ولكن أنَّى لهم ذلك وقد نفدَ الأجلُ وبطلُ العملُ وخَسِرَ هنالكَ الظالمون {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} يتلمسون حولَهم ليجدوا بصيصَ نورٍ وقبسَ ضياءٍ فلا يرون إلا ظلماتٍ حالكةٍ بعضُها فوقَ بعضٍ، فيعودوا جهةَ المؤمنين يتوددون إليهم ويُذَكِّرُونهم بقرابةِ الدنيا، ويتوسَّلون إليهم بحقِّ العِشْرَةِ التي كانت بينهم، ينادونهم: ألم نكن معكم، ألم يكن بيننا كذا وكذا، ألم نكن نتعاونُ في الدنيا مع بعضِنا البعضِ {يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} بلى كنا جميعاً في الدنيا ولكنا كنا نعملُ للآخرةِ ونتعبُ من أجلِ هذا اليومِ وأنتم أخلدتم للراحةِ وقصرتم في عملِ الآخرةِ وغريتم أنفسَكم بالأمانيِّ والمواعيدِ والتسويفِ للتوبةِ والعملِ حتى فاجأكم الموتُ وأنتم على المعاصي دونَ توبةٍ ولا عملٍ {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} يالها من حسراتٍ وما أبلغها من آلامٍ تعقبُها العبراتُ، وأيُّ حسرةٍ على أهلِ النارِ يومَ يطَّلعون عليهم إخوانُهم المؤمنون وهم في النارِ يُعذبون فينظرون إليهم وقد نضجتْ منهم الجلودُ وأثقلتهم القيودُ ونفدت منهم الدموعُ، وذبلتْ منهم الشفاهُ في ذلةٍ وخضوعٍ، فينادونهم بأسمائِهم ويدعونهم بألقابِهم فيعرفُ كلٌّ منهم صاحبَهُ فينادونهم أفيضوا علينا من الماءِ أو مما رزقكم اللهُ، أسعفونا بشربةِ ماءٍ تُبَرِّدُ حرَّ أكبادِنا أو