سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 259 - الجزء 2

  تلك الغايةِ في زمنِ المهدي # في آخرِ الزمانِ، وأنه سيملأُ الأرضَ عدلًا كما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً.

  عبادَ الله:

  لقد جعلَ اللهُ مِن بني آدمَ خلفاءَ في هذهِ الأرضِ وأوصياءَ على مَن دونَهم مِن الكائناتِ الضعيفةِ وعليهِ أنْ يقومَ بتلك المسئوليةِ، وأن ينفذَ تلك الوصايةَ فلا يجورُ ولا يظلمُ ولا يطغى على مَن تحتَ يدِهِ.

  فليس معنى الاستخلافِ التجبرَ والتعالي، والتسلطَ على الضعفاءِ، بل إنه تكليفٌ إلهيٌّ واختبارٌ وامتحانٌ مِن اللهِ تعالى لينظرَ كيفَ تعملونَ، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

  فالظلمُ ينافي حقيقةَ العبوديةِ؛ لأن معنى العبوديةِ: الخضوعُ والاستكانةُ للهِ ربِّ العالمين، وليس معنى ذلك الاستطالةُ والتطاولُ على الخلقِ واصفًا حقيقةَ العبوديةِ قالَ تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً}.

  فمِن شرطِ الخلافةِ العلمُ الذي يثمرُ العدلَ والإيمانَ التي يورثُ التواضعَ والصلاحَ، {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}

  ومِن آفاتِ الزعامةِ والخلافةِ الظلمُ الذي هو ثمرةُ الجهلِ، الظلمُ الذي ينافي الغايةَ من الاستخلافِ، بل ويبطلُها وتسقطُ أحقيتُها عمَّن تلبسَ بالظلمِ، كما قالَ تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}.

  لقد وقفَ الظلمُ حائلًا دونَ تولي صاحبِهِ العهدَ مِن بعد إبراهيمَ # وأصبحَ من الأمورِ المسقطةِ للوصايةِ في كلِّ أمرٍ، صَغُرَ أم كَبُرَ.