الخطبة الأولى
  خرجَ مِن شجرةِ الأنبياءِ، ومشكاةِ الضياءِ، نبيُّ الرحمةِ وكاشفُ الغمةِ، أبي الطيبِ والطاهرِ والقاسمِ، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلبِ بن هاشمٍ، صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ أبدًا دائمًا مِن يومِنا هذا إلى يومِ الدينِ.
  إنه أبو القاسمِ صفوةُ اللهِ مِن خلقِهِ، أفضلُ مَن وطئَ الحصى بنعلِهِ، وخيرُ من صامَ وصلَّى، وأفضلُ أهلِ الأرضِ في طولِها والعرضِ.
  وله فضائل لست أحصي عدها ... مَن رام عدَّ الشهب لم تتعدد
  إنْ وصفْتَهُ بالقمرِ فالقمرُ يطرأُ عليهِ النقصانُ والمحولُ، والغيابُ والأفولُ، ومِنَ الشمسِ يستمدُ النورَ والضياءَ، والنبيُّ محمدٌ ذلك النورُ الكاملُ الذي كَمُلَ خلقاً وخلقاً {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ}.
  وإنْ شبَّهْتَهُ بالشمسِ صَدَمَني بما أذهلَني، وكَسَفَ بالي بقولِهِ حين قالَ لعمِّهِ: «يا عمُّ، واللهِ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أتركَ هذا الأمرَ ما تركتُهُ حتى يظهرَهُ اللهُ أو أهلَكَ دونَهُ» فانظرْ لهذه العبارةِ كيف تضاءلتِ الشمسُ أمامَ عظمتِهِ فصارتْ كالدهمِ الحقيرِ في يدِهِ، ولم يرضَ بها ثمنًا لدعوتِهِ، فما بالَكَ بقيمتِهِ هو في نفسِهِ.
  سيدي يا أبا القاسمِ، إن الشمسَ لا توازي بعضَ صفاتِكَ ولا تساوي ما جِئْتَ بهِ فكيف أُشَبِّهُكَ بها، أم كيف أقرُنُكَ بالشمسِ التي تَحْجُبُ أشعتَها السحابُ، ويكدِّرُ صفوَها الغبارُ؟
  كيف أقرنُ نورًا سطعَ ضوؤهُ، ولألأَ بريقُهُ، وأضاءَ ظلماتِ الدنيا كلَّها وأنارَ كلَّ دارٍ بكوكبٍ يغربُ ويزولُ، ويطرأُ عليهِ الأفولُ، وتعتريهِ علةُ الخسوفِ والكسوفِ، ويتركُ الكونَ وراءَهُ ظلمةً حالكةَ السوادِ موحشةَ الوهادِ.
  وإنْ وصفتُهُ بالبحرِ فهل يغيثُ ذلك الملحُ الأجاجُ على سعةِ ما حواهُ الظامئَ بشربةِ ماءٍ يَبِلُّ بها ريقَهُ.