سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 288 - الجزء 2

  فالمتأملُ في حياتِهِ ÷ يرى أنه ومنذُ نعومةِ أظفارِهِ كانَ مَثَلًا ونموذجًا فريدًا في حسنِ السيرةِ، وطيبِ المخالقةِ.

  فقد نَشَأَ عفيفًا كريمًا شهمًا، عُرفَ بالصدقِ والأمانةِ، فكان مستودعَ أسرارِهم والمؤتمنَ على ودائعِهم وأماناتِهم قبلَ الإسلامِ، وامتازَ برجاحةِ عقلِهِ وحسنِ سلوكِهِ، فحَكَّمُوه في أمرِ الحجرِ الأسودِ حين تنازعوا فيمن يضَعُهُ في مكانِهِ.

  إنه محمدُ بنُ عبدِ اللهِ، ما رآه أحدٌ إلا أحبَّهُ وتَعَلَّقَ بِهِ.

  لو يعلمُ الجلمودُ مَن حبِّي لِمَنْ ... لتصدَّعَتْ صَخَراتُهُ الصما وأنْ

  ولطارَ لو عَقَلَ الحديدُ وما سكنْ ... حبي لمن يسقي الأنامَ غدًا ومَنْ

  تُشْفَى بِتُرْبِ نِعَالِهِ الأحداقُ ... في راحتَيك السلمُ والإسلامُ

  عبادَ الله:

  لقد خرجَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ إلى هذه الدنيا يتيمًا لم يَعْرِفْ أباه، وسرعانَ ما فَقَدَ أمَّهُ وفَقَدَ العطفَ والحنانَ، وخَسَرَ ما يتمتعُ بهِ أقرانُهُ مِن الولدانِ مِن عنايةِ ورعايةِ الوالدين.

  فلهذا شبَّ رسولُ اللهِ ÷ يتيمًا فقيرًا، ونشأَ وحيدًا منعزلًا عن عالمِ الشبابِ وطيشِ الجاهليةِ.

  وبالرغمِ مِن كلِّ ذلك فقد استطاعَ بيتمِهِ وفقرِهِ وقلةِ ناصرِهِ أن يُحَوِّلَ مسارَ التاريخِ، وأن يجعلَ من حياتِهِ حدًّا فاصلًا بين عهدينِ: عهدٍ مظلمٍ طُوِيَتْ صفحتُهُ، وعهدٍ مُشرقٍ أضاءَ الخافقين.

  واستطاعَ في فترةٍ وجيزةٍ لا تتعدَّى الثلاثةَ والعشرينَ عامًا أن يصنعَ مِن أولئكَ الأعرابِ الجفاةِ الغلاظِ رجالًا نَدَرَ وجودُهم وقَلَّ أمثالُهم، وأبطالًا دَوَّخُوا مشارقَ الأرضِ ومغارِبَها، وهزُّوا معاقلَ الشركِ والوثنيةِ، وفتحوا المدنَ