سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 329 - الجزء 2

  درعَهُ ثم يشكوني إلى قاضٍ من قضاتِهِ لينصفَهُ ويردَّ له حقَّه فما يكون منه إلا أن يحكمَ عليه، فأيُّ عدالةٍ هذه غير عدالةِ السماءِ، وأيُّ حكمٍ هذا غير حكمِ أنبياء.

  فصدق من قال:

  أنا وجميع من فوق التراب ... فدا لتراب نعل أبي تراب

  والآن:

  الدرعُ واللهِ درعُكَ يا أميرَ المؤمنين، وقد كنتُ كاذباً فيما أدعيتُ، ثم شَهِدَ ألا إله إلا اللهُ محمد رسول الله ودخلَ في دينِ الإسلامِ، نعم، دخلَ في الدينِ بسبِ العدلِ، بسببِ الإنصافِ والمعاملةِ وتطبيقِ شرائعِ اللهِ، لقد رأى ما أدهشَهُ، رأى ما أبهتَهُ، رأى أمراً لا نظيرَ له وموقفًا لم يشاهدْ مثيلَهُ مِن قبلُ.

  عدالةٌ ومساواةٌ وإنصافٌ فاقَ الوصفَ وتعدى المعهودَ، أميرُ المؤمنين صاحبُ القوةِ والسلطانِ وأعلى منصبٍ في الدولةِ الإسلاميةِ وقائدُ الجيوشِ التي دوخت مشارقَ الأرضِ ومغاربَها يأخذُ درعَهُ رجلٌ ذميٌّ كافرٌ ويطالبُهُ بها أميرُ المؤمنين ثم ينكرُها ومع علمِ أميرِ المؤمنين بأنها درعَهُ إلا أنه لم يقمْ بأيِّ ردةِ فعلٍ تجاهَ ذلك الموقف إلا أنه عمدَ كما يفعلُ غيرُهُ من المظلومين إلى قاضٍ من قضاتِهِ لينتصفَ له من غريمِهِ ويردَّ له ظلامتَهُ، لم يستخدمْ نفوذَهُ في استردادِ حقِّهِ ولم يأمرْ جندَهُ بجلدِ غريمِهِ وحبسِ مَن أخذَ درعَهُ، بل رضيَ أن يقفَ مع الذميِّ أمامَ ساحةِ القضاءِ ويرضى بما تُسفرُ عنه المحاكمةُ من نتائجٍ، وفي الأخيرِ قضتِ المحكمةُ للذميِّ وخرجَ الحكمُ على أميرِ المؤمنين وخسرَ الدرعَ؛ وذلك لأنه لا يملكُ بينةً ولا دليلًا يثبتُ أن الدرعَ درعُهُ، فكانت هذه الحادثةُ سبباً في إسلامِ هذا الذميِّ ودخولِهِ في دينِ الإسلامِ لحسنِ تصرفِ الإمامِ عليٍّ # وعدالتِهِ التي نشرَها بين الناسِ، فسلامُ اللهِ عليه يومَ ولدَ ويومَ استشهدَ ويومَ يبعثُ حيًّا.

  عليه سلام الله ما هبت الصَّبا ... وفي كل يوم ألف ألف تحية