الخطبة الثانية
  وإمامِ المسلمين وبين رجلٍ ذميٍّ من أهلِ الكتابِ، ماذا فعلَ الإمامُ عليٍّ؟ هل قطعَ رأسَهُ؟ أم سجنَهُ وعذبَهُ؟ أم طردَهُ مِن البلادِ وشردَهُ؟ لا هذا ولا ذاك، إن عدالةَ الإمامِ عليٍّ ومبدأَهُ الذي رسمَهُ لنفسِهِ وربَّاهُ عليه رسولُ اللهِ يأبى الظلمَ ويمنعُهُ أن يستغلَ قوتَهُ وسلطانَهُ في البطشِ والقهرِ ولو كان الحقُّ له، بل لقد اختارَ الإمامُ عليٌّ # مبدأَ الإنصافِ والعدلِ، وأرادَ أن يطبقَهُ على نفسِهِ ليكونَ أسوةً لغيرِهِ، فعمدَ إلى مطالبة الرجل الكتابي حسب ما أمر الله فحاكمة إلى قاض من قضاته جعلاه حكماً بينهما، وَمَثُلَ هو والرجلُ بين يدي القاضي، ووقفَ أميرُ المؤمنين أمامَ القاضي موقفَ المدعي لا موقفَ القائدِ والأميرِ الآمرِ الناهي، وقال مدعياً: الدرعُ درعي ولم أبعْ ولم أهبْ، فقالَ الكتابيُّ: ما الدرعُ إلا درعي وما أميرُ المؤمنين عندي بكاذبٍ، فقال القاضي لعليٍّ #: هاتِ البينةَ تشهدُ بأن الدرعَ درعُكَ، فضحكَ الإمامُ عليٌّ # لأنه لا يملكُ البينةَ، نعم، ضحكَ وحقَّ له أن يضحكَ، إنه لا يضحكُ لأنه فَقَدَ الدرعَ وخسرَ المحاكمةَ، بل إنه يضحكُ لأنه قد طَبَّقَ مبدأَ العدالةِ والمساواةِ على نفسِهِ قبلَ غيرِهِ وأنه قد تمَّ بسطُ الإنصافِ بينَ كلِّ كبيرٍ وصغيرٍ بلا محاباةٍ ولا مجاملةٍ وبعيداً عن المداهنةِ والوساطاتِ وبلا ميلٍ إلى أحدٍ مهما كانت منزلتُهُ ومقامُهُ، ضحكَ لأنَّ القاضي قد أَمِنَ بطشَهُ وطبقَ حكمَ اللهِ ولم يجاملْ أميرَ المؤمنين، وحكمَ القاضي بالدرعِ للكتابيِّ على ظاهرِ الدعوى وإن كانت الدرعُ هي درعُ أميرِ المؤمنينَ في الحقيقةِ، ولكن الحكمَ يكونُ على مقتضى الدعوى والإجابةِ وليس مع الإمامِ عليٍّ # البينةُ على ما ادعى، فأخذَ الرجلُ الدرعَ وذهبَ وأميرُ المؤمنين ينظرُ إليهِ، غيرَ أن الرجلَ مشى قليلاً ثم عادَ، رجعَ نحوَ القاضي وأميرُ المؤمنين بجانبِهِ، رجعَ وهو يقول: أما أنا فأشهدُ أنَّ هذه أحكامُ أنبياءٍ، آخذُ درعَ أميرِ المؤمنين ثم يدينني إلى قاضيهِ فيقضي عليه، أيُّ عدالةٍ هذه، أعتدي على أمامِ المسلمين وأميرِهم وآخذُ