الخطبة الأولى
  حتى إذا قبض المذل سطاهم ... حادوه عن سننِ الطريقِ وعاقوا
  يا ليت شعري ما يكون جوابهم ... حين الخلائق للحساب تساقُ
  حين الخصيم محمد وشهوده ... أهل السما والحاكم الخلاقُ
  قد قيدت إذ ذاك ألسنتهم بما ... نكثوا العهود فما لها إطلاق
  وبخاصةٍ بنو أميةَ وبنو مروان وأبناءُ (هندٍ) آكلةِ الأكبادِ التي شقَّتْ صدرَ حمزةَ بنِ عبدِ المطلبِ عمِّ رسولِ اللهِ ÷ واستخرجتْ كبدَهُ لتأكلَها.
  فهل تلدُ تلك الحيةُ إلا أفعى مثلَها فقد جاءت بمعاويةَ، وجاءَ معاويةُ بيزيدَ، ذلك السكير العربيد الذي كان يقضي جُلَّ وقتِهِ في ملاعبةِ القردةِ والكلابِ، فقد روي في الشافي أن يزيدَ أولَ من شربَ الخمرَ ممن ادعى الخلافة، وأولُ من سمعَ الغناءَ والزمرَ ولعبَ بالكعابِ والكلابِ، وكان لا يُمسي إلا سكرانًا، ولا يصبحُ إلا مخمورًا، ثم يَدَّعي زوراً أنه أميرٌ للمؤمنين وخليفةٌ للمسلمين.
  فبث دعاتَهُ في البلدانِ، وأرسلَ الرسلَ ليأخذوا له البيعةَ، ويوثقوا له الخلافةَ بالعهودِ المغلظةِ والأيمانِ المؤكدةِ، وأمرَ ولاتَهُ بأنَّ مَن رفضَ البيعةَ أن تُضربَ عنقُهُ ويُسفكَ دمُهُ، حتى ولو كان الحسينَ بنَ عليٍّ #، ووصلتْ دعوتُهُ إلى والي المدينةِ الوليدِ بنِ عتبة وأمرَهُ بأخذِ البيعةِ من الناسِ، وبخاصةٍ الحسين #، فإن رفضَ فليقتلْهُ.
  فأي لئيم ما الزمان مسالم ... له وكريم ما الزمان محاربه
  كما بالنبي محمد وبآله ... فهل بعدهم تصفو لحرٍّ مشاربه
  دعا كل باغ في الأنام ومعتدٍ ... إلى حربهم والدهر جمٌّ عجائبه
  خياران لا ثالثَ لهما: إما أنْ يمدَّ يدَهُ لمبايعةِ يزيدَ بنِ معاويةَ ذلك السكير المائع، الذي لا يحلُّ للهِ حلالًا، ولا يحرمُ حرامًا، والذي كان قصرُهُ يعجُّ