الخطبة الأولى
  بالغانياتِ والراقصاتِ، والماجنين والماجناتِ، ويكونُ شريكًا له في ظلمِهِ وطغيانِهِ وراضيًا بمنكراتِهِ، وإما أن تحزَّ رقبتُهُ ويُسفكَ دمُهُ.
  عبادَ الله:
  لقد وقفَ الإمامُ الحسينُ في موقفٍ تزلُّ فيه الأقدامُ، وتَعَرَّضَ لامتحانٍ صعبٍ، إما أن يكونَ شريكًا في الظلمِ وإما أن تحزَّ رقبتُهُ.
  فقد طلبَ من الحسينِ ذلك، وهو الذي نشأَ وترعرعَ في أحضانِ الرسالةِ، وفي مهبطِ الوحي، وارتضعَ العفةَ والنقاءَ من جدِهِ المصطفى وأمِّهِ الزهراء، والذي تعلمَ من أهلِهِ الرحمةَ والعطفَ وحبَّ الخيرِ، ونصرةَ المستضعفين.
  فهل يختمُ آخرَ عمرِهِ بأن يضعَ يدَهُ في يدِ يزيدَ الظالمِ الغشومِ، ليكونَ له عونًا في ظلمِهِ وجبروتِهِ، هل يختمُ عمرَهُ بأن يبايعَ يزيدَ، ويداهنَهُ لكي يرضى عنه، ويعتقَهُ من القتلِ، هل يختمُ حياتَهُ بأن يُسخطَ اللهَ من أجلِ أن يرضى عليه يزيد؟
  لم تطب نفسُ الإمامِ الحسينِ بهذا الأمرِ فقررَ أن يفرَّ بدينِهِ محفوظَ الكرامةِ، سليمَ العقيدةِ إلى حيثُ يأمنُ على نفسِهِ ودينِهِ، فزار قبر جده في جوف الليل الغابر، وصلى ركعتي الخيرة، وشكى أمره إلى ربه وبث بالدعاء والبكاء وقبل بياض الفجر غلبته عيناه فرأى رسول الله ÷ قائلا له وهو محتضن له ومقبل بين عينيه: العجل العجل العجل يا بني، تأتي إلى جدك وأبيك وأمك وأخيك، يا لها من بشرى ما أعظمها.
  فخرجَ سلامُ اللهِ عليه موجهًا وجهَهُ تلقاءَ مكةَ المكرمةِ والبلدِ الحرامِ، إلى البلدِ الأمينِ ليحتميَ به من يزيدَ، ومن ظلمِ يزيدَ، فلعلَّ حرمةَ البيتِ تمنعُهُ من أذيتِهِ ولا يتجاسرُ يزيدُ بنُ معاويةَ على انتهاكِ حرمتِهِ، فقد جعلَهُ الله حرمًا آمناً من دخلَهُ كان آمنًا، فدخلها وجلس فيها خمسة أشهر، وفيها راسله أهل العراق.
  ولو جلس فيها ما سلم، فإن بني أميةَ وأعوانَهم لا يرعونَ للبيتِ حرمةً، ولا