الخطبة الثانية
  خرجَ الإمامُ الحسينُ # في أثرِ مسلمِ بنِ عقيلٍ الذي أرسلَهُ إلى أهلِ الكوفةِ.
  خرجَ الإمامُ الحسينُ هو ومن معه من أهلِهِ وشيعته مِن الرجالِ والأطفالِ والنساءِ، خرجَ في موكبٍ هو مِن أعظمِ المواكبِ قدراً وأعلاها شأناً.
  خرجَ في مائة من ولد النبي ستون فارسا وأربعون راجلا فيهم الأطفالُ والنسوةُ، مع من لحق به من صفوة الشيعة.
  خرجَ # يقطعُ الفيافي والقفارَ، ويجوبُ الصحاري والوديان سيرًا على الأقدامِ تحتَ لهيبِ الشمسِ المحرقةِ، وفي الصحاري الموحشةِ، وهو يجدُّ السيرَ ويحثُّ الخُطى، يقطعُ المسافاتِ الشاسعةَ نحوَ الكوفةِ وكلُّه شوقٌ بأن يلتقيَ بمسلمِ بنِ عقيلٍ وأنصارِهِ مِن أهلِ الكوفةِ الذين وعدوه أن يمدوهُ بالعونِ والنصرةِ، خرج وهو يردد:
  سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى ... إذا ما نوى حقًّا وجاهدَ مسلما
  وواسى الرجال الصالحين بنفسه ... وفارق مثبورًا وخالفَ مجرما
  فإن متُّ لم أندمْ وإن عشتُ لم أُلَمْ ... كفى بكَ ذُلًّا أن تعيشَ وتُرغما
  عبادَ الله:
  ما زالَ الحسينُ # يطوي الصحاري القاحلةَ حيثُ لا ماءَ ولا كلأ، ويجدُّ السيرَ بين تلك الرمالِ الناعمةِ التي أصبحت قطعةً من الحميمِ من شدةِ حرِّها وحرِّ الهواء، فقد كان ذلك المسيرُ في أيامِ القيظِ وفي أشدِّ أيامِ الصيفِ حرًّا، وبينما كان الحسينُ # يشقُّ طريقَهُ نحوَ الكوفةِ وقد شارفَ على الوصولِ إليها إذ اعترضَ طريقَهُ الحر بن يزيد في ألف فارس بأمر عبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ، ومنعوه من دخولِ الكوفةِ وحاصروه، وضيقوا عليه الخناقَ.
  فما كان منه # إلا أن عَدَلَ بأهلِهِ وشيعتِهِ إلى ناحيةٍ في الصحراءِ، فمالَ إلى