سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 344 - الجزء 2

  ناحيةٍ قريبةٍ من نهرِ الفراتِ ليحتميَ بها من كيدِ الأعداءِ، وليكونَ قريبًا من الماءِ، فضيقَ عليه الحرُّ حتى ألجأه إلى أرض كربلاء، فقالَ الحسينُ لمن حولَهُ: ما اسمُ هذه الأرض؟ قالوا: (كربلاء)، فتنفسَ # الصعداءَ، وقالَ: (ذات كربٍ وبلاءٍ).

  ثم نزلَ الحسينُ # وحطَّ رحالَهُ في أرضِ كربلاءَ، وكانت أرضًا جرداءَ لا عشبَ فيها ولا كلأَ ولا مرعى ولا ماءَ. وفي اليوم الثاني أتى ابن سعد في أربعة آلاف فارس وعدد كبير من الراجلين.

  ووقفَ الإمامُ الحسينُ في قلبِ الصحراءِ يفكرُ في أمرِهِ، ويقلبُ ناضريه في الأفقِ البعيدِ، ويمدُّ بصرَهُ إلى أطرافِ الصحراءِ الشاسعةِ، ويحدثُ نفسَهُ، ويسألهم عن مصيرِ مسلمِ بنِ عقيلٍ؟ وأين هي الجنودُ التي تربو على مائةِ ألفِ فارسٍ الذين وعدوه النصرةَ؟ أين تلك الأيمانُ المؤكدةُ والعهودُ المغلظةُ التي قطعوها على أنفسِهم؟

  هل يعقلُ أن يكونوا قد نكثوا البيعةَ، وأخلفوا الوعودَ وعادوا للمكرِ والخديعةِ كما هي عادتُهم؟

  فإن كانوا قد فعلوها، فأين هو مسلمُ بنُ عقيلٍ؟ لماذا لم يحضرْ؟ لماذا لم يعدْ ليخبرَنا بذلك؟

  أيعقلُ أن يكونوا قد مكروا به وقتلوه!

  ولم لا؟ إنَّ ذلك ليس بالمستبعدِ على أهلِ العراقِ أهلِ الكفرِ والنفاقِ، أَوَلَيسوا قد خدعوا الإمامَ عليًّا # ومكروا به؟

  ما زالَ الحسينُ وهو في قلبِ الصحراءِ تتضاربُ في رأسِهِ الأفكارُ في أمرِ مسلمِ بنِ عقيلٍ، تساوِرُهُ الأوهامُ والشكوكُ حولَ موقفِ أهلِ الكوفةِ الذين بايعوه على النصرةِ.