سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 81 - الجزء 1

  هناكَ من يُغيِّر مبدأَه ويُحوِّلُ منهجَه، ويخرجُ من حولِ اللهِ وقوتِه بحفنةٍ من المالِ. هُناك مَن يتقاضى أغراضَه من أعدائِه، ويطفئُ لهيبَ غيظهِ بإثارةِ الفتنِ في الدينِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}.

  هنالك مَن يَتَّهِمُ الصلاةَ بأنها السببُ في فقرِه ومصائبِه، هذه حالةٌ من حالاتِ مرضى القلوبِ، وركيكي الإيمانِ في هذا الزمنِ {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

  هناك من يتشاءمُ ويتطيرُ بالعلمِ والتعليمِ، وبإخوانِه المؤمنين، ويرى بأن دينَهم وعلمَهم وصلاحَهم هو سببُ القحطِ والبلاءِ والبَرَدِ والضَّرَبِ.

  هناك عُبَّادُ شهوةٍ وأهواءٍ وبئس العبيد.

  يقطع الصلاةَ لأجلِ البَرْد وإيثاراً للنومِ.

  هناك من يترك الواجباتِ مجاملةً ومداهنةً.

  هناك من يتركُ قولَ الحقِّ على نفسِه وقرابتِه أَنَفَةً وعصبيةً.

  إن المؤمنَ الذي بنى نفسَه على تقوى من اللهِ، لو عُرِضَ عليه ملءُ هذا المسجدِ ذهباً على أن يتركَ فريضةً من فرائضِ الله ما تركها، لو ملكوه الدنيا بما فيها على أن يشربَ الخمرَ، أو يُبَاشَرَ الزنا أو يأكلَ درهماً من الحرامِ أو يسمعَ الغناءَ ما فعلها.

  لو قرَّضوهُ بالمقاريضِ، ونشروهُ بالمناشيرِ، وسلخوهُ كما تُسلخ الكباشُ على أن يحوّلَ أو يبدِّلَ في دينِه ما فعلَ، ولو كان في سبيلِ ذلك إزهاقُ روحِه التي بين جَنْبَيه.

  هذا هو الدينُ الحقُّ، والإيمانُ الصادقُ الذي يصنع من البشرِ جبالاً من الصبرِ، وصخوراً من التقوى لا تلين.