الخطبة الأولى
  ألَا ومَن قَصَدَ بعمله عَرَضاً من الدنيا وزينتها {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} {مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هِذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
  ألا وَمَنْ قَصَدَ بعملِه وجهَ الله ورضوانَه يرجو رحمتَه ويتقي به عقابَه فـ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ}.
  إنّ المتقين مع اللهِ واللهُ معهم {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}.
  المتقون هم أولياءُ اللهِ وهو وليُّهم: {إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
  المتقون هم أحبابُ الله يحبُّهم ويحبونه: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}.
  عبادَ الله: إن المتقينَ هم الذين يَقُونَ أنفسَهم وأهليهم عذابَ القبرِ والنارِ، يتخِذون الطاعاتِ وجميعَ القرباتِ جلابيبَ تقيهم حرَّ نارِ السعيرِ، فتراهم مسارعين في أعمالِ البِّر ليتخذوا منها سرابيلَ تقيهم بردَ الزمهريرِ، تراهم مسابقينَ في الخيراتِ وهم لها عاملون، يتخذونَ منها دُروعاً واقيةً من نارِ السمومِ، فهم كما وصفَهم اللهُ تعالى بقولِه عزَّ من قائلٍ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللّه وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
  إن المتقين مَنْ عَرَفُوا الحرامَ فاجتنبُوه، وعرفوا المنكرَ فتركوه، إن المتقي هو مَن يعيشُ على حذرٍ، يجتنبُ المنكرَ، همُّه رضى ربِّه، لا يُطعِم نفسَه وأهلَه إلّا ما