سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 93 - الجزء 1

  تيقّن أنه حلالٌ طيبٌ، ولا يتكلمُ إلا بما ظنَّه صدقاً لا كذباً ولا لغوَ فيه، ولا يسمعُ إلا ما ظنَّه مباحاً لا شبهةَ فيه، تراه وقَّافاً عند الشبهاتِ، يتركُ الحلالَ خوفاً من الدخولِ في الباطلِ، عرف بأنَّ للهِ حمىً، وأنَّ حِمى اللهِ محارمُه، وإنَّ مَن يرعى حولَ الحمى يُوْشَكُ أن يقعَ فيه، فيدعُ ما يحلُّ خوفاً من الوقوعِ في ما يحرمُ، كما قَالَ النَّبِيُّ ÷: «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ». {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.

  عبادَ الله: إن من اجتنبَ الأسبابَ الموصلةَ إلى غضبِ اللهِ فهو (المتقي) حقاً، ومَن خاضَ في الباطلِ وانغمسَ في المحرماتِ، وتلطخَ بالمنكراتِ فهو: غير مُتَّقٍ للهِ بل هو مِن العصاةِ الفسقةِ خارجٌ عن جماعةِ المؤمنين، فعن ابنِ عباسٍ قالَ: قالَ رسولُ الله ÷: «لا يزني الزاني حينَ يزني وهو مؤمنٌ، ولا يسرقُ السارقُ حين يسرقُ وهو مؤمنٌ، ولا يشربُ الخمرَ حين يشربُها وهو مؤمنٌ».

  فقاطعُ الصلاةِ فاسقٌ غيرُ متقٍ للهِ ولا يُسمى مؤمناً، وكذا من أَفطرَ شهرَ رمضانَ بغيرِ عذرٍ فهو غيرُ متقٍ للهِ، وكذا النمامُ والمغتابُ وشاهدُ الزورِ وقاطعُ الطريقِ والقاتلُ والمغني غيرُ متقٍ للهِ، وكلُّ عاصٍ للهِ ورسولِه فهو غيرُ متقٍ للهِ وغيرُ مؤمنٍ بدليلِ قولِه تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}

  عبادَ الله: إن أعمالَنا موقوفةٌ محبوسةٌ لا يصعدُ إلى اللهِ منها شيءٌ، مالم يكنْ صاحبُها مؤمناً تقياً، وكلُّ عملٍ مردودٌ على صاحبِه لا يقبلُ اللهُ منه شيئاً إلا بالتقوى وذلك قولُ اللهِ تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} إنَّ اللهَ قد حَصَرَ وقَصَرَ، وحَذَّرَ وأَنْذَرَ، وبيَّنَ وأخبرَ في مُحْكَمِ كتابِه بأنه لا يتقبلُ أيَّ عملٍ منكم إلا إذا كان صاحبُه من المتقين.