الخطبة الأولى
  إنما يتقبلُ اللهُ من المتقين.
  إن الصدقةَ لا تُقْبَلُ إلا من المتقين.
  إن الدعاءَ لا يُقْبَلُ إلا من المتقين.
  إن الاستغفارَ مرهونٌ بالتقوى.
  إن جميعَ الأعمالِ من صلاةٍ وصومٍ وحجٍ وزكاةٍ كلِّها مرهونةٌ بالتقوى.
  قال تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}
  إذا المرء لم يلبس ثياباً من التُّقى ... تقلَّبَ عرياناً وإن كان كاسيا
  لم أرَ أحداً يخدعُ نفسَه ويُهملُها ويُوردُها المهالكَ إلا ابنَ آدم؛ يعملُ لدنياه وينسي آخرتَه، يَستعدُّ لبردِ الشتاءِ القارسِ، وينفقُ الأموالَ الطائلةَ لشراءِ الأدفيةِ ليقيَ أهلَه ومزروعاتِه شرَّ البردِ والضَرَبِ.
  وينسى أو يتناسى أن يقيَهم بردَ وزمهريرَ جهنمَ والعياذُ باللهِ، تراه في أيامِ الصيفِ يسعى جاهِدَاً لإعدادِ الظِّلالِ والماءِ الباردِ الزلالِ، والمثلجاتِ والمكيفاتِ لتكونَ له وقايةٌ من حرِّ وقيظِ أيامِ الصيفِ، ويتغافلُ أن يقيَ نفسَه وأهلَه حرَّ نارِ جهنمَ ولظاهَا، امتثالاً لأمرِ اللهِ القائلِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
  أليسَ مِن الأفضلِ لِمَن يدعي بأنه للهِ متقي، بأن يبذلَ من جهدِ نفسِه وتعبِها، وينفقَ من مالِه، ما يتقي به اليومَ الآخر، ولو عُشرَ ما ينفقُه في اتقاءِ شرِّ نوائبِ هذه الدنيا، كما قالَ تعالى: {قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}.
  فإنَّ العاقلَ اللبيبَ يعلمُ بأنَّ الدنيا مزرعةُ الآخرةِ فإذا أحسَّ بحرِّ الشمسِ تذكرَ حرَّ النارِ، فأوى إلى بيتٍ من بيوتِ اللهِ يقي نفسَه من حرِّ الشمسِ بالظِّلالِ، ومن حرِّ النارِ بتلاوةِ القرآنِ، والصلاةِ والاستغفارِ.