[الغنى والفقر بعد العرض على الله]
  فمن هنا ومن خلال أخذ النصيحة من هاتين الكلمتين والدرتين العظيمتين ينبغي أن تسمج كل تجارة في هذه الدنيا في عين صاحبها، ويعظم خوفه منها أكثر من راحته بها، فإنه لا بد يوماً من الأيام مفارقها، ولا يبعد أن تكون في الاخرة حسرة عليه ووبالاً، وأن تتحول من لذة وفرح إلى عذاب ونكال؛ إذا منع منها حقوق الفقراء والمستضعفين، أو أخذ منها شيئاً من غير وجهه، أو تكبر بها على أحد من المخلوقين.
  فعلى صاحب التجارة أن يعد الجواب لكل صغيرة وكبيرة من الأموال من أين أخذ؟ وفيم وضع؟ وأي فقر أعظم من فقر الآخرة؟ فقر الآخرة أبدي في نار وقودها الناس والحجارة، في عذاب الله الشديد بين أطباق النيران، التوبيخ من الملائكة والتعذيب في منتهاه، قيودها لا تُحلّ وحرها لا يكل، شرابها يقطع الأمعاء ويشوي الوجوه، ثياب أهلها من القطران وهو النحاس، فراشهم في جهنم قطع من النار، {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ}[الأعراف: ٤١]، تعفر آنافهم بين الحميم، وهم يسحبون على وجوههم ذوقوا مس سقر، يطوفون بينها وبين حميم آن، لهم فيها زفير وشهيق.
  فهذا هو الفقر الحقيقي الذي أراده أمير المؤمنين عليه سلام الله ورضوانه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً.