شرح وبيان لآيات وأحاديث وحكم علوية،

عبد الله بن علي القذان (معاصر)

[الفائزون بها غدا الهاربون منها اليوم]

صفحة 140 - الجزء 1

[الفائزون بها غداً الهاربون منها اليوم]

  ومن حكمه # ورضوان الله عليه في ذم الدنيا قوله: (الفائزون بها غداً الهاربون منها اليوم) وقال #: (نعمة الدار لمن لم يتخذها داراً):

  انظر إلى هذه الأنوار الساطعة والجواهر الذهبية اللامعة كيف تكون نعمة الدار لمن لم يتخذها داراً إلا بالنظر في أحوالها وسرعة زوالها وأين ذهبت بعشاقها المفتونين.

  تاهت فيها حلومهم فقطعت أوداجهم ومزقت أنياط قلوبهم اتخذوها بدل خالق السماوات والأرض رباً يرضون من أجلها ومن أجلها يغضبون وما هي إلا أيام قلائل وقد صرعتهم وقتلتهم شر قتلة، قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ٧ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٨}⁣[يونس]، صدق الله العظيم، فقد كان لها كل توجهاتهم يعملون لها نهارهم ويفكرون لها في ليلهم، وصدق الله العظيم القائل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ١٨ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ١٩}⁣[الإسراء]، فالهريبة منها اليوم أن يجعل الإنسان الموت نصب عينيه ليله ونهاره، وفي حضره وفي أسفاره وينظر فيمن قد عفر خده بين التراب وفارق أهله والأحباب وكيف يكون جوابه إذا جاءت كل نفس تجادل عن نفسها وقد أيقن حينئذ أنه مسجل في دواوين الغافلين الذين خسروا أنفسهم