ترجمة العلامة الراحل محمد محيى الدين عبد الحميد
  جعل الجميع يشيدون بفضله ويعترفون بنبله، ويرجعونه إلى عمادة تلك الكلية التي أرسى فيها قواعد العدل، والتي هيأ فيها للجميع حياة مستقرة، والتي أمكنه بفضل تفتح ذهنه أن يوجد فيها الأقسام المختلفة؛ لتتمكن تلك الكلية من متابعة الدرس ومن السير في الدراسة اللغوية والأدبية، فأنشأ فيها قسما لأصول اللغة كان هو النواة الأولى فيها والمرجع الأوفى فيها»(١).
  «إن أستاذنا الجليل ووالدنا الراحل كرّس حياته معتزّا بكرامته، معتزّا بفضله، معتزّا بعلمه، لم يتمكن أحد من أن ينال منه إطلاقا؛ عرضت عليه المناصب، وقيل إنه يطلب منك أن تقابل بعض المسؤولين، فأبت عليه عزة نفسه أن يخضع لتلك الرغبة قائلا أمامنا جميعا، والله يشهد على ما أقول أنني صادق فيه: «إن المنصب إذا كانت الدولة تعترف أنني أهل له فلتسنده إليّ، وإن لم تكن معترفة بي فلا حاجة بي إلى مقابلة أي مسؤول مطلقا» لم يقلها | غرورا وتأبيا، بل حفاظا على كرامة العلماء، وعلى كرامة الرجال الذين أثبتوا في شتى العهود السابقة أن رجال الأزهر يجب أن يثبتوا للملأ أن الأخلاق الفاضلة، وأن الرجولة الحقة هي التي يجب أن تسيطر عليهم، وألا تغرهم المناصب، وألا يبعدهم زهو الحياة وبريق المال إلى الانحراف عن الجادة القويمة التي سار عليها أستاذنا، والتي دربنا عليها تدريبا قويّا»(٢).
  ولئن أمكنك - بعد هذا التجوال السريع في دروب حياته وبين معالمها - أن تضع يدك على بعض مواطن النبوغ العلمي والعملي؛ فحري بك أن تجمع إليها قطوفا من أمارات الشموخ والإباء، ويأتي في مقدمتها موقفه من اعتلاء المناصب الكبرى مثل مشيخة الأزهر، والتي كان في مقدمة المرشحين لتوليها المرة تلو المرة تلو المرة، وكذا في ترشيحه لنيل جائزة الدولة في الآداب المرة بعد المرة، وأضف لذلك - إن شئت - تلك العروض التي تلقاها لرئاسة جامعات عربية وإسلامية، وحالت ظروفه الصحية دون قبولها، وإن كان أهل الأزهر - آنذاك - يجمعون على أنه أجدر من يتولى المنصب، فقد كان اعتلاء المناصب يقتضي التحلي بشيم ليست بينها الأهلية
(١ و ٢) من كلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد نجا في حفل مجمع اللغة العربية السابق.