المبني على الضم أربعة أنواع:
  روى هذا البيت بفتح «أمس» على أنه ظرف معرب لدخول أل عليه، ويروى أيضا بالكسر، وتوجيهه: إما على البناء، وتقدير «أل» زائدة، أو على الإعراب على أنه قدّر دخول «في» على اليوم، ثم عطف عليه عطف التوهم.
  وقال الله تعالى: {فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}[يونس، ٢٤] الكسرة فيه كسرة إعراب لوجود أل، وفي الآية إيجاز ومجاز، وتقديرهما فجعلنا زرعها في استئصاله كالزرع المحصود فكأن زرعها لم يلبث بالأمس، فحذف مضافان واسم كأن، وموصوف اسم المفعول، وأقيم فعيل مقام مفعول، لأنه أبلغ منه، ولهذا لا يقال لمن جرح في أنملته «جريح» ويقال له: مجروح(١).
  ثم قلت: أو الضّمّ وهو: ما قطع لفظا لا معنى عن الإضافة من الظروف المبهمة كقبل وبعد وأوّل، وأسماء الجهات، وألحق بها «عل» المعرفة، ولا تضاف، و «غير» إذا حذف ما تضاف إليه وذلك بعد ليس، ك «قبضت عشرة ليس غير» فيمن ضمّ ولم ينوّن، و «أىّ» الموصولة إذا أضيفت وكان صدر صلتها ضميرا محذوفا، نحو: {أَيُّهُمْ أَشَدُّ} وبعضهم يعربها مطلقا.
  وأقول: الباب السادس من المبنيات: ما لزم الضّمّ، وهو أربعة أنواع:
  النوع الأول: ما قطع عن الإضافة لفظا لا معنى من الظروف المبهمة، كقبل وبعد وأول، وأسماء الجهات نحو: قدّام وأمام وخلف، وأخواتها، كقوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}[الروم، الآية ٤] في قراءة السبعة بالضم، وقدّره ابن يعيش على أن الأصل من قبل كل شيء ومن بعده، انتهى، وهذا المعنى حق، إلا أن الأنسب للمقام أن يقدر [من قبل الغلب و] من بعده، فحذف المضاف إليه لفظا
(١) أصل الكلام: فجعلنا زرعها كالزرع المحصود فكأن زرعها لم يلبث - أي لم يوجد بالأمس، فحدث في الكلام إيجاز - أي اختصار، وهذا الاختصار قد حدث بحذف أربعة أشياء: الأول المضاف الذي هو زرع في قولنا «فجعلنا زرعها» فصار «فجعلناها» الثاني المضاف إليه الذي هو زرع في قولنا «فكأن زرعها» والثالث هو اسم كأن؛ لأن اسم كأن في الآية الكريمة ضمير الشأن، والرابع الموصوف وهو الزرع في قولنا «كالزرع المحصود»، فيصير تقدير الكلام بعد ذلك: فجعلناها محصودا، فحدث مجاز بثلاثة أشياء: بوضع حصيد موضع محصود لقصد المبالغة؛ لأن دلالة فعيل أقوى من دلالة مفعول، وبإيقاع حصيد على الأرض ومن حقه أن يوقع على الزرع، وبإسناد «تغن» إلى ضمير الأرض ومن حقه أن يسند للزرع أيضا.