شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الثانية: الإلغاء

صفحة 377 - الجزء 1

  واحترزت من ظن بمعنى اتهم فإنها تتعدى لواحد نحو قولك «عدم لي مال فظننت زيدا» ومنه قوله تعالى: {وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}⁣[التكوير، ٢٤] أي ما هو بمتّهم على الغيب، وأما من قرأ بالضاد فمعناه: ما هو ببخيل، وكذلك علم بمعنى عرف، نحو: {وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً}⁣[النحل، ٧٨] ورأى من الرأي، كقولك: «رأى أبو حنيفة حلّ كذا، أو حرمته» وحجا بمعنى قصد نحو: «حجوت بيت الله» ومن وجد بمعنى حزن أو حقد؛ فإنهما لا يتعديان بأنفسهما، بل تقول: «وجدت على الميت» و «حقدت على المسيء».

  ثم اعلم أن لأفعال القلوب ثلاث حالات: الإعمال، والإلغاء، والتعليق.

  فأما الإعمال فهو نصبها المفعولين، وهو واجب إذا تقدمت عليهما⁣(⁣١) ولم يأت بعدها معلّق، نحو: «ظننت زيدا عالما»، وجائز إذا توسطت بينهما نحو: «زيدا ظننت عالما» أو تأخرت عنهما، نحو: «زيدا عالما ظننت».

  وأما الإلغاء فهو: إبطال عملها إذا توسّطت أو تأخرت؛ فتقول «زيد ظننت عالم» و «زيد عالم ظننت» والإلغاء مع التأخر أحسن من الإعمال، والإعمال مع التّوسّط أحسن من الإلغاء، وقيل: هما سيّان.

  وأما التعليق فهو: إبطال عملها في اللفظ دون التقدير؛ لاعتراض ما له صدر الكلام بينها وبين معموليها، وهو واحد من أمور عشرة:

  أحدها: لام الابتداء نحو «علمت لزيد فاضل» وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}⁣[البقرة - ١٠٢].


(١) هذا مذهب البصريين، وزعم علماء الكوفة أنه يجوز الإلغاء مع تقدم العامل وعدم ذكر معلق بعده، واستدلوا على ذلك بقوله:

أرجو وآمل أن تدنو مودّتها ... وما إخال لدينا منك تنويل

والبصريون يجعلون هذا البيت إما من قبيل الإلغاء؛ لأن الفعل غير واقع في أول الكلام بسبب تقدم حرف النفي عليه، وزعموا أن من شرط وجوب الإعمال عندهم زيادة على ما ذكر المؤلف ألا يتقدم على الفعل شيء في الكلام؛ فشروط وجوب الإعمال عندهم ثلاثة، وإما أن يكون البيت من قبيل التعليق بتقدير لام الابتداء بين الفعل ومعمولاته، والتقدير: وما إخال لدينا منك تنويل.