الأول: الفاعل
  أعرف من الموصوف، وعلى بطلان الثالث قولهم: مررت بزيد صاحبك(١).
  ثم قلت: باب - المرفوعات عشرة: أحدها الفاعل، وهو: ما قدّم الفعل أو شبهه عليه وأسند إليه على جهة قيامه به أو وقوعه منه ك «علم زيد» و «مات بكر» و «ضرب عمرو» و {مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ}.
  وأقول: شرعت من هنا في ذكر أنواع المعربات، وبدأت منها بالمرفوعات؛ لأنها أركان الإسناد، وثنّيت بالمنصوبات؛ لأنها فضلات غالبا(٢)، وختمت بالمجرورات؛ لأنها تابعة في العمديّة والفضليّة لغيرها، وهو المضاف؛ فإن كان عمدة فالمضاف إليه عمدة، كما في قولك: «قام غلام زيد»، وإن كان فضلة فالمضاف إليه فضلة، كما في قولك: «رأيت غلام زيد»، والتابع يتأخر عن المتبوع.
  وبدأت من المرفوعات بالفاعل لأمرين؛ أحدهما: أن عامله لفظي، وهو الفعل أو شبهه، بخلاف المبتدأ؛ فإن عامله معنوي، وهو الابتداء(٣)، والعامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي؛ بدليل أنه يزيل حكم العامل المعنوي، تقول في زيد قائم: «كان زيد قائما» و «إنّ زيدا قائم» و «ظننت زيدا قائما» ولما بيّنت أنّ عامل الفاعل أقوى كان الفاعل أقوى، والأقوى مقدّم على الأضعف، الثاني: أن الرفع في الفاعل للفرق بينه وبين المفعول، وليس هو في المبتدأ كذلك، والأصل في الإعراب أن يكون للفرق بين المعاني فقدّمت ما هو الأصل.
  والضمير في قولي «وهو» للفاعل، وقولي «ما قدّم الفعل أو شبهه عليه» مخرج لنحو «زيد قام» و «زيد قائم» فإنّ زيدا فيهما أسند إليه الفعل وشبهه ولكنهما لم يقدّما
(١) وجه دلالة هذا المثال أن النعت - وهو قولهم: صاحبك - مضاف إلى الضمير، والمنعوت علم؛ فلو كان المضاف إلى الضمير في رتبة الضمير لكانت الصفة أعرف من الموصوف؛ ومن المقرر عند النحاة أن الصفة لا يجوز أن تكون أعرف من الموصوف؛ فدل اتفاقهم على صحة هذا المثال - مع هذا المقرر عندهم - على أن المضاف إلى الضمير - مثل صاحبك - في رتبة العلم كزيد.
(٢) إنما قال المؤلف «غالبا» لأن بعض المنصوبات ليس فضلة، بل هو ركن من أركان الإسناد، وذلك مثل اسم إن، فإنه المحكوم عليه، وخبر كان، فإنه المحكوم به.
(٣) هذا مذهب البصريين، وهو الراجح، وذهب الكوفيون إلى أن العامل في المبتدأ هو الخبر، وعليه يكون العامل عندهم في المبتدأ لفظيّا، وهو مذهب ضعيف.