شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

الرابع: المفعول فيه

صفحة 256 - الجزء 1

  فإن فاعل «تعروني» هو الهزّة، وفاعل الذّكرى هو المتكلم؛ لأن التقدير لذكرى إياك.

  ثم قلت: الرّابع المفعول فيه، وهو: ما ذكر فضلة لأجل أمر وقع فيه: من زمان


المسالك (رقم ٢٥٣) وكذلك في قطر الندى (رقم ١٠٢)، وأنشده ابن عقيل (رقم ٢٤٠).

اللّغة: «تعروني» تنزل بي وتصيبني، «ذكراك» الذكرى - بكسر الذال - التذكر والخطور بالبال، «هزة» بكسر الهاء أو فتحها - حركة واضطراب، «انتفض» تحرك واضطرب «القطر» المطر.

الإعراب: «إني» إن: حرف توكيد ونصب، وياء المتكلم اسمه، «لتعروني» اللام هي اللام المزحلقة، وما بعدها فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة على الواو منع من ظهورها الثقل، والنون للوقاية، وياء المتكلم مفعول به، «لذكراك» اللام جارة، ذكرى: مجرور باللام، والجار والمجرور متعلق بتعرو، وذكرى مضاف والكاف ضمير المخاطبة مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله، وفاعل المصدر محذوف، وأصل الكلام: لذكري إياك، «هزة» فاعل تعرو، «كما» الكاف حرف جر، وما: مصدرية «انتفض» فعل ماض، «العصفور» فاعله، وما المصدرية مع ما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لهزة، وتقدير الكلام: هزة كائنة كانتفاض العصفور، «بلله» بلل فعل ماض، والهاء ضمير الغائب العائد إلى العصفور مفعول به، «القطر» فاعل بلل، والجملة من الفعل والفاعل والمفعول في محل نصب حال، والكثير في مثلها أن تكون مقترنة بقد، فتقول: كما انتفض العصفور قد بلله القطر، أو بقد والواو جميعا، نحو قوله سبحانه وتعالى {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ}⁣[الرعد، ٦]، ونحو قوله جل ذكره: {وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي}⁣[الأحقاف - ٢١] وقوله سبحانه {وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ}⁣[الأحقاف، ٧]، أو بالواو وحدها نحو قوله تعالى: {الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا}⁣[آل عمران - ١٦٨].

الشّاهد فيه: قوله «لذكراك» فإن اللام حرف دال على التعليل، وقد وجب على الشاعر أن يجر به الذكرى، لما اختلف فاعل الذكرى، وفاعل العامل، وبيان ذلك أن الذكرى مصدر، وهو علة لعرو الهزة، لكن فاعل الذكرى هو المتكلم، وفاعل العرو - الذي هو العامل - هو قوله هزة، فلما اختلف فاعل المصدر - الذي هو علة - وفاعل المعلل وجب أن يجره بحرف دال على التعليل، ولم يجز له أن ينصبه مفعولا لأجله، وهكذا فعل.