شرح شذور الذهب،

ابن هشام الأنصاري (المتوفى: 761 هـ)

يجوز صوغ فعال لأحد المعنيين مما اجتمع فيه ثلاثة أشياء

صفحة 128 - الجزء 1

  ٣ فاستعملها في غير النداء؛ فضرورة شاذة، ويحتمل أن التقدير: قعيدته يقال لها: يا لكاع؛ فيكون جاريا على القياس.

  ويجوز قياسا مطردا صوغ فعال هذا وفعال السّابق - وهو الدال على الأمر - مما اجتمع فيه ثلاثة شروط، وهي: أن يكون فعلا، ثلاثيّا، تامّا؛ فيبنى من نزل نزال، ومن ذهب ذهاب، ومن كتب كتاب، بمعنى انزل واذهب واكتب، ويقال من فسق وفجر وزنا وسرق: يا فساق، ويا فجار، ويا زناء، ويا سراق، بمعنى يا فاسقة، يا فاجرة، يا زانية، يا سارقة.

  ولا يجوز بناء شيء منها من نحو اللصوصيّة؛ لأنها لا فعل لها، ولا من نحو دحرج واستخرج وانطلق؛ لأنها زائدة على الثلاثة، ولا من نحو كان وظل وبات وصار؛ لأنها ناقصة لا تامة.

  ولم يقع في التنزيل فعال أمرا إلا في قراءة الحسن «لا مساس» [طه، ٩٧] بفتح الميم وكسر السين، وهو في دخول «لا» على اسم الفعل بمنزلة قولهم للعاثر إذا دعوا عليه بأن لا ينتعش - أي لا يرتفع - «لا لعا»، وفي معاني القرآن العظيم للفراء: ومن العرب من يقول: لا مساس، يذهب به إلى مذهب دراك ونزال، وفي كتاب «ليس لابن خالويه»: لا مساس مثل دراك ونزال، وهذا من غرائب اللغة⁣(⁣١)، وحمله


«لكاع» في الواقع منادى بحرف نداء محذوف، وهذا المنادى مع الحرف المحذوف مفعول للخبر المحذوف، وتقدير الكلام: قعيدته مقول لها: يا لكاع؛ فهو من باب حذف العامل وإبقاء المعمول، وله نظائر كثيرة، وذلك كخبر المبتدأ المحذوف وجوبا إذا كان المبتدأ قد وقع بعده حال لا يصح أن يكون خبرا، نحو «ضربي العبد مسيئا».


(١) اسم الإشارة في قوله «وهذا من غرائب اللغة» يعود إلى ما ذكره عن الفراء وابن خالويه، ووجه غرابته أن «لا» النافية دخلت على اسم الفعل، مع أن اسم الفعل في المشهور من الاستعمال العربي لا يجوز أن يدخل عليه عامل يؤثر فيه، وذكر العلامة اللقاني أن وجه غرابة هذا الذي نقله المؤلف عن الفراء وابن خالويه أنهما جعلا «لا» النافية مع ما بعدها اسما واحدا؛ فزعم أنه ركب «لا» مع «مساس» ثم أراد منه الإثبات، مع أن الأصل في العربية أن «لا» إذا دخلت على اسم صيرته منفيّا، وههنا صارت هي والاسم بمعنى الإثبات، ومن هنا تفهم أن اللقاني ¦ - يرى أن معنى قوله «لا مساس» امسسني، بخلاف المعنى على ما ذكرناه أولا؛ فإن المعنى عليه لا تمسسني، وهذا هو الموافق للقراءة المشهورة (لا مساس).